التحول الديموقراطي في أواخر القرن الماضي بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ورمزيته الكبرى التي تمثلت أيضاً في سقوط جدار برلين، هي السمة التي غلبت دول هذا المعسكر، فكان تحولها كما عبر عنها صامويل هانتنغتون بالموجة الثالثة للتحول الديموقراطي خياراً شعبياً لا رجعة عنه، وكان ينتظر من الدول العربية أن تكون سباقة للانخراط في هذه الموجة، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، فأصبح الاعتقاد السائد في العالم عن مجتمعاتنا بأنها لا تملك القابلية في التحول الديموقراطي بسبب الإرث الاستبدادي الذي طغى على تاريخها الطويل، وعندما جاء ما يسمى الربيع العربي تسابق المحللون بالتبشير بالموجة الرابعة للتحول الديموقراطي، لكن الدول الشيوعية أثناء تبني شعوبها الخيار الديموقراطي لم يصاحبه عنف يفتك بكل قيم المجتمع، وينتج ثقافة الكراهية كما هو الحال عليه في مجتمعاتنا العربية. هذه المفارقة لا يمكن إرجاع أسبابها فقط إلى سياسة التآمر الخارجي، ولا إلى ثقافة التخوين المستشرية في الخطاب السياسي العربي، إنها إحدى النتائج الكبرى التي تتصل بثقافة العنف، وهي ثقافة تتدفق على الفرد والمجتمع من جميع الاتجاهات، خصوصاً تلك المرتبطة بمفاصل حياته، من النظام التربوي للأسرة والتعليم والعادات والتقاليد الاجتماعية، والنظام السياسي الاستبدادي. الفرد العربي ضمن هذه الثقافة مسلوب الإرادة، ممتلئ بالإحباط والكراهية ضد الغير، لا يملك تصورا عن ثقافة الآخرين إلا باعتباره عدواً ينبغي القضاء عليه أو شيطنة صورته، تدعمه في تصوره ذلك نماذج من ماضي التاريخ الإسلامي، تحضر في حياته بقوة كقيم عليا يستمد منها معنى حياته، قيم كالجهاد والاستشهاد، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتقديس العادات والتقاليد، فما حدث في العراق وليبيا واليمن ثم في سورية ومصر الإخوان ليس سوى دليل على طغيان ثقافة العنف على الحياة العربية بشتى صورها وأشكالها. ثقافة حقوق الإنسان وسيادة القانون وبناء المؤسسات المدنية والتنمية والديموقراطية والعلمانية هي التحدي الأكبر لمجتمعاتنا في القرن ال21، وهو تحدِّ مضاعف بسبب تأثيرات ثقافة العولمة التي تنتهك الحدود والقيم والخصوصيات، وتعيد إنتاج القيم الأخلاقية والدينية والسياسية وفق مصالح ثقافة السوق التي تهيمن عليها كبرى الدول والشركات. انحسار الجهل والفقر هما الشرطان المقدمان على كل مشروع يرصد البناء والتطور.