مع سحب السفيرة الاميركية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس ترشيحها لحقيبة الخارجية، بات شبه حتمي تولي السناتور المخضرم جون كيري المنصب، فيما يحتل السناتور الجمهوري السابق تشاك هاغل الصدارة في لائحة المرشحين لوزارة الدفاع. والقاسم المشترك بين كيري وهاغل هو البراغماتية والاعتدال في السياسة الدولية عموماً والشرق اوسطية خصوصاً، واعتمادهما ديبلوماسية هادئة في التعامل مع ملفات محورية من بينها ايران وحرب أفغانستان والأزمة في سورية. وأعلنت رايس بعد هجوم مركز على ادائها شنه نواب في الكونغرس واعلاميون، عزوفها عن تولي حقيبة الخارجية، فيما أصدر الرئيس باراك أوباما بياناً أشاد فيه بالسفيرة التي واكبت مشواره السياسي وتعد من أقرب مستشاريه. غير أن أوباما يبدو مجبراً على التنازل عن «نجومية» رايس والاستعاضة عنها بخبرة كيري، المرشح وفق تسريبات اعلامية آخرها في «واشنطن بوست»، أن يتولى المنصب في غياب أي مفاجآت سياسية. وتضررت رايس الى حد كبير من تداعيات اعتداء بنغازي، وبسبب دفاعها المستميت عن الادارة في خمس مقابلات تلفزيونية ونفيها أي رابط للاعتداء بالارهاب، وهو ما تراجعت عنه الادارة لاحقاً وضرب صدقية رايس. كما تأذت السفيرة من ادائها ال «غير ديبلوماسي» احياناً، وشجارها أكثر من مرة مع مسؤولين سابقين مثل ريتشارد هولبروك وآخرين في الساحة الدولية. وكان الجانب الروسي أبدى في تسريبات اعلامية اعتراضه على تعيين رايس، بسبب مواجهاتها الساخنة مع السفير الروسي في الأممالمتحدة فيتالي تشوركين. وبانسحاب رايس التي التقت أوباما أمس، يبدو شبه مؤكد تعيين كيري في المنصب. وأبلغ مسؤول أميركي صحيفة «واشنطن بوست» أنه في حال عدم حدوث أي مفاجآت، فان كيري سيذهب الى الخارجية خلفاً لهيلاري كلينتون مطلع العام المقبل. ويعتبر كيري من أبرز الخبرات في السياسة الخارجية في الحزب الديموقراطي، ويملك رصيداً عمره 27 سنة في مجلس الشيوخ كما انه يرأس حالياً لجنة العلاقات الخارجية في المجلس. وحفلت هذه السنوات بمحطات مهمة لكيري خارجياً، أبرزها وساطته عامي 2010 و2011 مع الرئيس السوري بشار الأسد لاستئناف محادثات السلام مع اسرائيل، وقبل ذلك مع الجانبين الباكستاني والأفغاني لتخفيف التشنج مع واشنطن، وكذلك ادارته مفاوضات مع روسيا لتوقيع معاهدة «ستارت 2» وتسهيل موافقة الكونغرس عليها. ويعتبر كيري من البراغماتيين في السياسة الخارجية الأميركية، وأحد الأصوات الأكثر تمرساً في الديبلوماسية الهادئة، كما تجمعه علاقة جيدة بالوزيرة كلينتون وبوجوه في مجلس الشيوخ مثل جون ماكين وليندسي غراهام اللذين اعترضا على ترشيح رايس. وبالتالي ستكون المصادقة على تعيين كيري في حال ترشحه، مهمة سهلة لأوباما وستوفر عليه مواجهة مع الكونغرس الذي يصطدم معه اليوم حول التشريعات الاقتصادية. وفي مقابل التعيين المحتمل لكيري في الخارجية، يتصدر السناتور الجمهوري السابق تشاك هاغل لائحة المرشحين لتولي وزارة الدفاع. ويأتي هاغل من المدرسة الوسطية أيضاً، وهو كان محارباً سابقاً في الجيش الأميركي، وعارض حرب العراق خلال ولاية الرئيس السابق جورج بوش. غير أن هاغل يواجه انتقادات من اللوبي الاسرائيلي، بسبب معارضته تشديد العقوبات على طهران وتحفظه عن دعوات الى الاتحاد الأوروبي لاعتبار «حزب الله» منظمة ارهابية. وتعزز هذه المواقف مخاوف اللوبي الاسرائيلي من السياسة الأميركية المقبلة نحو طهران، وتزيد الشكوك حول جدية أوباما في اعتماد خيار عسكري لكبح طموحاتها النووية. غير أن مقربين من هاغل، أكدوا أنه في حال تعيينه فسيجتمع مع دوائر اللوبي الاسرائيلي لطمأنتها حول هذه الأسئلة. ورأى مراقبون ان تفضيل هاغل وكيري، يعكس تطلع أوباما الى الاستمرار في نهجه البراغماتي في الولاية الثانية، والتحضير للانسحاب من أفغانستان وتفادي مغامرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط.