توفي، أول من أمس، المهندس المعماري البرازيلي الشهير أوسكار نيميير، الذي أحدث ثورة في العمارة المعاصرة، عن 104 سنوات، بسبب التهاب رئوي. ويفترض أن تقام مراسم دفنه اليوم، في قصر ريو دي جانيرو، كما أعلن إدواردو باييس رئيس بلدية المدينة. ونيميير المولود لعائلة بورجوازية من أصول ألمانية وبرتغالية وعربية، شارك في أكثر من 600 عمل معماري في العالم، وما زال نحو 20 مشروعاً منها قيد التنفيذ. نال عام 1988 جائزة «بريتزكر» (التي توازي جائزة نوبل في الهندسة المعمارية) بفضل تصاميمه التي شملت مباني رئيسية في العاصمة برازيليا التي دشنت عام 1960. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة «غارديان» البريطانية عام 2007، يحكي نيميير إنه بدأ قبل أكثر من 50 سنة العمل في قصر ألفورادا المقر الرئيسي لإقامة الرئيس البرازيلي، ولم يكن لمثل ذلك المبنى مثيلٌ في العالم الحديث. لكن برازيليا لم تكفِ نيميير، إذ دعاه رئيس أنغولا لتصميم عاصمة لبلاده، بما يعادل أربعة أضعاف حجم برازيليا، وقال نيميير ل «الغارديان»: «إن أربعة أضعاف برازيليا قد تستغرق أربعة أضعاف الجهد الذي بذل في برازيليا، أي 16 سنة! فقال الرئيس:16 سنة؟! ربما تستطيع أن تفعل ذلك في أمد أقل؟»، فابتسم نيميير. ظل المعماري يزاول عمله في مشغله على ساحل كوباكابانا، حتى بلغ المئة من العمر، وهناك زاره أصدقاؤه وكان من بينهم الرئيس الكوبي فيديل كاسترو الذي قال مرة: «نيميير وأنا آخر شيوعيين في هذا الكوكب»، إذ انتمى المعمار إلى الحزب الشيوعي البرازيلي عام 1945، وحاز جائزة لينين للسلام 1963. وأدهش ذلك الشاب البرازيلي آنذاك الجمهور، بتحويله العمارة إلى منحنيات وأقواس حسّية ونور لكتل لا تُنسى. قال نيميير في المقابلة: «جاء والتر كروبيوس إلى بيتي في كانوي، بأعلى ريو، وكنت صممته بتتابع أقواس طبيعية تتدفق إلى داخل وخارج الطبيعة الموقعية، وقال إنها رائعة لكنها غير قابلة لإنتاج تجاري متكرر... وكأنني كنت أقصد ذلك! يا له من غبي!». عندما صمّم نيميير متحف نيتروا للفن المعاصر، في طراز مما بعد الحداثة يطِلّ من خلال خليج كوانابارا من ريو ويبدو مرفرفاً على صخرةٍ تعلو ما يشبه طبقاً طائراً، كان في ال89 من عمره، والمبنى الجذاب يفيض بطاقة الشباب التي تنبع من مواقعها الطبيعيّة، في ساحات برازيليا أو التلال الجبلية فوق ريو. وأول مبانيه المتكاملة التقوس والانحناء هي كنيسة «أسيس سان فرانسيسكو» في بامبلها، وتبدو كأنها خط واحد منساب، بناية تتحرك، تبدو مصممةً مرةً واحدةً. وقال نيميير: «العمارة تبدأ بالرسم، وعندما كنت صغيراً، كانت أمي تقول إنني كنتُ أرسم بأصابعي في الهواء، احتجتُ إلى قلم رصاص وما إن حصلتُ على واحدٍ، صرت أرسم يومياً. ألتقط قلمي، فيظهر مبنى. طبعاً، أورثتُ مهندسيَّ بعض الصداع، لكنهم استمروا معي، ولطالما أردتُ لمبانيَّ أن تمسّ الأرض برفق لتُحلّقَ وتُدهِش». في بعض الأحيان، تتجه أعمال نيميير نحو العفويّة، كما في المتحف الوطني الجديد في برازيليا، حيث تغطّي قبة من ثمانين متراً من الخرسانة ما تُحيط به من فضاء داخلي وخارجي مع سلالم ملتوية ومرتفعة، غرورٌ. المبنى في حد ذاته تحفة معروضة. تماماً كما تقوسات وانحناءات المباني الرئيسة لجامعة قسنطينة في الجزائر التي صمّمها بتفويض من الرئيس الهواري بو مدين، والقبة الفسيحة لمقر الحزب الشيوعي الفرنسي في باريس والتي تملأ الشاغل بالقناعة! في أيام نيميير، كان الحديد نادراً وباهظ الثمن، في حين أن الخرسانة لم تكن المادة الرخيصة الوحيدة، لكنها كانت مطواعة إلى أبعد الحدود. تألّق نيميير عام 1938، عندما كلّفَ الوزير البرازيلي للتعليم كوستافو كابانيما، لوتشيو كوستا تصميم البناية الحديثة الأولى في البلاد، وهي مقر وزارتي الصحة والتعليم في مركز ريو. وسعى كوستا وكابانيما للحصول على نصيحة من لو كوربوزيه، أعظم معماريي عصر الحداثة قاطبة. طار المعماري الفرنسي السويسري الحالم إلى ريو في منطاد «زبلن»، كما أخبر نيميير الذي عمل مع كوستا وحوّل في نهاية المطاف مخطط كوربوزيه إلى مبنى عالٍ رائق يُزيّن الآن مركز ريو. صار نُصباً وطنياً وسمّي قصر كابانيما. وتأثر كوربوزيه بموهبو نيميير. عام 1964 استولى الجيش على السلطة في البرازيل، واختار نيميير منفاه في باريس، وصادَق جان بول سارتر وأندريه مالرو الكاتب وبطل المقاومة وأول وزير ثقافة فرنسي. عمل في غرب أوروبا وشمال أفريقيا، واستمر في تصميم المباني لزبائن برازيليين.