تعتبر مكةالمكرمة دائمة الاتصال مع الأمم والشعوب، منذ فجر التاريخ، إذ كانت محطة اقتصادية تقصدها القوافل التجارية ونقطة لالتقاء الحضارات، وتطور دورها التاريخي العالمي لتكون منعطفاً مهماً في تاريخ العرب والبشرية جمعاء، عندما انطلقت منها الدعوة الإسلامية. بزغت الرسالة المحمدية لتأخذ معها مكة إلى مكانة عالية بين بقاع الأرض قدسية وفضلاً فأسس لها ركن من أركان الإسلام، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وازدياد أعداد المسلمين ازدهرت الطرق الموصلة لمكة، التي حفظت لنا المصادر التاريخية والجغرافية التي كتبها الطبري وابن كثير والهمداني والبكري وياقوت الحموي وغيرهم، شرحاً ووصفاً عن طرق الحج الواصلة لمكةالمكرمة وعُرفت هذه المسالك بطرق الحاج الكوفي والبصري والشامي والمصري واليمني والعماني. وذكرت أن بعض الطرق استخدمت قبل الإسلام لقصد التجارة والتنقل، و1بعض هذه الطرق يلتقي مع الآخر عبر طرق فرعية، لافتة إلى الرعاية والاهتمام التي أولاها الخلفاء المسلمون والولاة والميسورون لتلك الطرق. ويعد طريق الحج العراقي من الكوفة إلى مكةالمكرمة من أهم طرق التجارة والحج في العصر الإسلامي، وعرف هذا الطريق في ما بعد ب»درب زبيدة» نسبة إلى السيدة زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة هارون الرشيد، إذ قامت بأعمال كثيرة على طول هذا الطريق من أهمها حفرها عين زبيدة. ومن خلال الآثار الباقية للطريق نجد أن الطريق خطط مساره بطريقة علمية وهندسية مميزة، حيث حددت اتجاهاته وأقيمت على امتداده الاستراحات ورصفت أرضيته بالحجارة في المناطق الرملية والموحلة ونظفت الطريق من الجلاميد الصخرية والعوائق في المناطق الوعرة والصخرية، فيما بلغ أوج ازدهاره في العصر العباسي المبكر وشعر المسافرون على الطريق من أقصى المشرق الإسلامي بالأمن والطمأنينة . وبعد تأسس مدينة البصرة سنة 14 ه عقب الفتح الإسلامي للعراق، ارتبطت البصرة مع مكةالمكرمة بطريق تركزت أهميته في القرون الثلاثة الأولى للهجرة ويلتقي مع طريق الكوفة في نقاط عدة. أما طريق الحج الشامي فيصل دمشقبالمدينةالمنورة وشهد هذا الطريق تطورات عبر العصور الإسلامية المتعاقبة كما أن على امتداده مُدت سكة حديد الحجاز التي تم تنفيذها في العهد العثماني في الفترة ما بين عام 1900 و 1906 ولا تزال آثارها باقية للمحطات المبنية بالحجر وأجزاء من مسار السكة والجسور. وطريق الحج المصري كان يعبره حجاج مصر وغيرهم من حجاج شمال أفريقيا والمغرب فيقصدون شبه جزيرة سيناء حتى يصل بهم الطريق إلى «أيلة» على رأس خليج العقبة ثم يتجه الطريق جنوباً ويتفرع إلى طريقين، الطريق الداخلي ويتجه إلى الجنوب الشرقي حتى المدينةالمنورة، أما الطريق الآخر فهو الطريق الساحلي الذي يسير بمحاذاة ساحل البحر الأحمر في حين أن الطريقين موصلتان مع بعضهما بطرق فرعية. ومن صنعاء في اليمن ينطلق طريق الحاج اليمني على اتجاهين الأول بمحاذاة ساحل البحر الأحمر مروراً بالشعيبة ثم جدةفمكة والثاني يسلك المناطق الجبلية بجبال السروات حتى يصل إلى قرن المنازل فمكةالمكرمة. وهناك طريقان من عمان إلى مكة أحدهما يأخذ من عمان إلى يبرين ثم إلى البحرين فالساحل الشرقي لجزيرة العرب ومنها إلى اليمامة ثم إلى ضرية، وتذكر المصادر الجغرافية أن ضرية كانت ملتقى حجاج البصرة والبحرين والآخر من عمان إلى اليمن ومن هناك يسلك الحاج طريق الحاج اليمني.