عادت المخرجة الفلسطينية مي المصري أخيراً الى بيروت بعد جولة استطلاع لتصوير فيلمها الروائي الأول «ثلاثة آلاف ليلة»، شملت الأردن والأراضي الفلسطينية. ومي هي التي كتبت سيناريو فيلمها بنفسها بعد مجموعة أفلام وثائقية حصدت من خلالها شهرة عالمية جعلتها في طليعة المخرجات اللواتي تصدين – سينمائياً - لقضية كبيرة ومعقدة مثل القضية الفلسطينية، وما نجم عنها من تشابكات إقليمية ودولية سياسية وحتى فنية في أحيان كثيرة، ربما لم تعرفها قضية من قبل. مي التي نعرف من افلامها السابقة انها تمتلك حساسية خاصة تجاه القضايا السياسية المباشرة، حتى أنها لم تربط موعد تصوير الفيلم في الربيع المقبل، ولم تشأ أن تركز على مفردة «الربيع» بحد ذاتها بعد أن تردد صداها كثيراً في الشارع مع انطلاق ما يسمى ب «ثورات الربيع العربي»، تقول اليوم إنها حددت شهر أيار (مايو) المقبل، لأن «نوع الاضاءة في هذا الوقت يخدم فكرة الفيلم بكل تأكيد، على رغم أن ذكريات هذا الشهر أليمة، ففيه وقعت نكبة 1948»، تذكّر مي. تقول صاحبة «أحلام المنفى» إن التصوير سيتم في الأراضي الفلسطينية والأردن، وقد جالت على أمكنة تصوير واقعية ومناسبة تماماً لفكرة السجن. وهذا يخدم الممثلين لجهة وضعهم في أماكن حقيقية تقريباً، على رغم أن التصوير في الأراضي الفلسطينية أمر في غاية التعقيد، اذ تقع هذه الأراضي ضمن تقسيمات ادارية معقدة فرضتها اتفاقات أوسلو في وقت سابق. «ومع ذلك يمكن القول إنني وفّقت في اختيار هذه الأمكنة بنسبة كبيرة». وداعاً صعوبات التمويل ومن المتوقع أن يقوم بمساعدة المخرجة فنياً طاقم متنوع آت «من أماكن كثيرة في فلسطين، ومن الجولان المحتل، اضافة الى فنيين وممثلين من فلسطينيي الشتات». ولا تخفي مي المصري في حديثها الى «الحياة» أنها تمكنت إلى حد ما من تذليل صعوبات التمويل بعد أن اختير سيناريو الفيلم مع أربعة عشر مشروعاً آخر على مستوى العالم لورشة مهرجان «كان» في الدورة الفائتة. وتوضح أن الورشة تمثل برنامجاً يجمع منتجين وموزعين من مختلف أنحاء العالم، يحضرون سنوياً من بقاع كثيرة في العالم لنقاش مشاريع متبناة من مهرجان عريق مثل «كان». وترى صاحبة «أطفال شاتيلا» أن اختيار سيناريو الفيلم من قبل هذه الورشة يعني أن الفيلم قد يأخذ حظوظه مستقبلاً في الترشح لمهرجانات مهمة على الصعيد السينمائي العالمي. وتشير المصري في سياق توضيحها لتذليل مثل هذه الصعوبات الى أن «ثلاثة آلاف ليلة» قد حصل أيضاً على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان قرطاج 2011، كما سبق لها أن قدمت المشروع إلى مهرجان دبي السينمائي الذي يعقد ورشات انتاج سيناريوات عبر دورتين سنوياً، مرة في تورينو ومرة في دبي. وبناء على مثل هذا التقديم، جرى اختيار الفيلم لورشة مهرجان «كان». وحول التأخر في بدء عملية التصوير، والآثار السلبية الناتجة من ذلك بسبب من «أزمة الأفكار» التي تفرض أحياناً إيقاعاً ملزماً في سياق العملية الانتاجية نفسها، تقول مي المصري: «يبدو أن الأفلام الروائية المستقلة في العالم العربي تأخذ وقتاً أطول، وبخاصة عندما يقوم المخرج بكتابة سيناريو فيلمه بنفسه، وربما أصبح طبيعياً أن تستغرق العملية سنتين، وأحياناً ثلاث سنوات، بسبب تعقيدات التمويل والانتاج، ناهيك بوجود ظروف ضاغطة أخرى». وتنبّه مي المصري إلى أنها ليست مستعجلة، ف «أنا لست مستعدة أن أقدم فيلماً لأثبت فيه مسؤوليتي تجاه الموضوع، وتجاه نفسي كمخرجة. أنا أنتظر نضوج الفكرة أيضاً، وليس حلول مشاكل التمويل فقط التي تبدو سحرية في أحايين كثيرة». وتضيف مي المصري الى هذا قولها: «لا توجد هناك عمليات انتاج مكتملة، ثمة عادة وعود بالانتاج، وقد تحقق جزء منها، وهناك وعود أخرى قيد التحقق». وهي لا تعتقد بوجود آثار سلبية هنا. وهي ربما تبدو في هذا أكثر تفاؤلاً من كثر من اصحاب المشاريع التي تنتظر تمويلاً، اذ تقول إن الآثار الايجابية لكلّ انتظار قد تكون أكثر بكثير من الآثار السلبية، «فالفيلم الروائي بحاجة إلى صبر وتحمل وتأمل أيضاً، ويكون الوقت هنا هو الحكم». وحول امكانية الفصل بين غواية الوثائقي الذي تملك منه رصيداً مهماً، والروائي الذي تقدم عليه، تقول المصري: «أعتقد أن رصيدي في الفيلم الوثائقي قد أعطاني دفعاً وزخماً حتى في طريقة تفكيري في الفيلم الروائي. وحتى أفلامي الوثائقية تملك في معظمها بنية روائية على صعيد تفتّح الحكاية ونمو الشخصيات وتطوّرها. وأعتقد أن عملي في السينما الوثائقية منحني المعرفة والتدرب على الخيال الواقعي، حتى صار بإمكاني أن أروي قصتي ضمن الشروط الدرامية المطلوبة في كلا النوعين. لا أحس بغربة عن الفيلم الروائي، وأنا أقدم عليه، ففي أفلامي الوثائقية عناصر روائية كثيرة». ولا تفترض مي المصري أنها تشعر برهبة الفيلم الروائي ف «عامل الزمن هو ما يقوّي الاحساس بالتجربة، ولا خوف عندي من خوض تجربة فيلم «ثلاثة آلاف ليلة»، لأنني سأعمل مع أناس عاشوا تجارب شبيهة، وهم ليسوا بعيدين من موضوعي، وقد أصبحت أمتلك احساساً واقعياً إلى أبعد الحدود مع بشر في وسعهم لعب أدوارهم الحقيقية في الحياة من دون أدنى تردد». ولا تنكر مي المصري أنها تفضل ألا تسهب في الحديث عن موضوع فيلمها قبل ان تحقّقه فعلاً، وليس بسبب تخوفها من انتشار الفكرة أو ضياعها في سياق أزمة «أفكار صامتة» تعصف بصناعة الأفلام الروائية في العالم العربي: «قد تكون هذه آخر همومي، ولكن من المهم هنا أن يشكل الفيلم عامل مفاجأة لدى الجمهور، لأن هذا العامل بحد ذاته يشكل جاذباً له، وهذا أقصى ما أريده وأحلم به. أما عن أزمة الأفكار، فأعتقد ان الأفكار مرميّة على قارعة الطريق كما يقال. والمهم هو طريقة توظيفها حتى لا تبدو ناشزة في سياق قد يكون طبيعياً، وقد لا يكون كذلك». «ثلاثة آلاف ليلة» في حسبة بسيطة، هي ثماني سنوات من عمر سجينة فلسطينية تضع مولودها في السجن، وهي لا تكون بين سجينات فلسطينيات فقط، بل مع اسرائيليات أيضاً. وهذا كلّ ما توضحه مي المصري عن فيلمها مؤكدة ان رغبتها تكمن في أن تذهب بروايتها إلى الحد الأقصى، فليس الاختيار وحده هنا من يؤكد أحقية اكتمال الرواية... إنها اللغة التي تنتظر تحققها، وهي في الطريق إلى هناك.