ربما كانت هذه أسوأ بطاقة توصية يمكن أن تعطى لشخص ما لدعم ترقيته إلى وظيفة جديدة، فأقل ما يقال عن اقتراح وزير خارجية تركيا احمد داود أوغلو بتكليف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قيادة المرحلة الانتقالية في بلاده، أنها ستقطع أي طريق محتمل لأي دور للشرع في مستقبل سورية، هذا إذا كان له دور فيها أصلاً بعد العزلة التي يجد نفسه فيها في هذه الفترة، وبعد الشكوك على أعلى مستويات القيادة حول موقفه منذ انطلقت الثورة من مدينته درعا. ليس جديداً تداول اسم الشرع في هذا السياق، فقد جاء في اطار طرح «الحل اليمني» للأزمة السورية منذ اقترحت المبادرة العربية هذا الحل في مطلع هذه السنة كمخرج معقول يقوم على أساس تضحية الرئيس بشار الأسد بنفسه في مقابل المحافظة على النظام. غير أن داود أوغلو زاد على الاقتراح العربي صفات أضفاها على الشرع، من النوع الذي يزيد من حذر الرئيس السوري من نائبه، فقال إن الشرع رجل «متعقل وذو ضمير ولم يشارك في المجازر». وهذا تلميح مقصود إلى أن الأسد يفتقد هذه الصفات. وأضاف داود أوغلو قناعته بأن الشرع ما زال موجوداً في سورية، ما يفهم منه أن هناك اتصالات قائمة بين نائب الرئيس السوري والجانب التركي تؤكدها معرفة مكان إقامته. وسوف يضيف إلى انزعاج القيادة السورية، أن هذه الشهادة تأتي من الطرف الإقليمي الذي يعتبره رأس النظام السوري مصدراً للمتاعب التي يعاني منها، ومركزاً لتصدير «الجماعات الإرهابية» إلى بلاده. يستدعي كلُّ هذا التساؤلَ عن مغزى توقيت هذه الإشادة التركية بالشرع، وعن معنى حرق أوراقه في سورية في هذه المرحلة، مع أن البديهي الذي بات معروفاً، أن أفق «الحل اليمني» أصبح مسدوداً في سورية منذ فترة طويلة، في ظل اقتناع الأسد والمقربين منه أنهم قادرون على الحسم العسكري ضد المعارضة، وهو ما أكده وزير خارجية إيران علي اكبر صالحي مؤخراً، نقلاً عن الأسد. هل يعود السبب إلى إدراك أنقرة أن المأزق الذي بلغته الأزمة السورية بات مأزقاً لها أيضاً، وهو بحاجة إلى حل سريع، إذ على رغم التفويض الذي حصلت عليه حكومة رجب طيب أردوغان من البرلمان باستخدام الجيش في عمليات خارجية عبر الحدود مع سورية، إلا أن الواضح أن تركيا غير مستعدة للذهاب إلى حرب واسعة النطاق مع سورية، للرد على التحرشات ومحاولات الاستدراج السورية المتكررة، وذلك في غياب أي غطاء أطلسي او غربي لتوسيع العمليات التركية في الأراضي السورية. يبقى السؤال عن مدى تنسيق داود أوغلو مع المعارضة السورية لاقتراح الشرع كبديل مقبول، فعلى رغم قول الوزير التركي إن الشرع لم يشارك في المجازر أو في الاجتماعات الأمنية التي تخطط للعمليات العسكرية، وإشارته إلى أن المعارضة السورية تميل إلى قبول الشرع لإدارة المرحلة الانتقالية، إلا أن الأوساط الفاعلة في المعارضة لا تبدي ترحيباً بالاقتراح التركي، أولاً لأنها تعرف سلفاً أنه مرفوض من جانب الأسد، وأصبح الآن مرفوضاً اكثر بسبب تبني أنقرة له. ثم إن المعارضة تعتقد أن الأزمة السورية تجاوزت نقطة المحافظة على جسم النظام واستبدال رأسه فقط، وباتت مقتنعة بضرورة التغيير الجذري في البنية السياسية السورية بكاملها. وهو ما يعيدنا مرة اخرى إلى السؤال عن الهدف من وراء إحراق تركيا لأسهم فاروق الشرع في هذه المرحلة. * في تعليقي الأخير الذي نشر أول أمس الأحد (7 تشرين الأول/ أكتوبر) ورد خطأ ان قيمة الدولار كانت قبل الثورة الايرانية 70 دولاراً وبلغت اليوم 40 الف دولار. والمقصود طبعاً أنها كانت 70 ريالاً وبلغت اليوم 40 ألف ريال. فاقتضى الاعتذار.