تقدّم الهواتف الذكيّة التي تعرض علينا سيلاً غير طبيعي من المعلومات من الممكن أن يؤدي إلى تغيّر في بعض الدوائر العصبية في الدماغ، خصوصاً عند الأطفال. ويرى بعض الاختصاصيين أن التعوّد على الإشباع الفوري في دماغ الطفل، يؤدي إلى تغيرات في الجزء المتعلق بالذاكرة الفورية القصيرة الأمد على حساب تقلّص النشاط في الأمكنة المتعلقة بالذاكرة الطويلة الأمد التي يُستعان بها عند تنفيذ النشاطات الأكثر تعقيداً. من الممكن أن يظهر نوع من الإدمان على الهواتف الذكيّة، بأثر من استمرار مطالعة شاشاتها في شكل دائم وقهري، بمعنى أنه يقهر إرادة الامتناع عن هذه المطالعة. ولذا، ربما يجب التنبّه إلى حال الأطفال، والعمل معهم بهدف تمكين أدمغتهم من هيكلة الأولويات، عبر تفعيل النشاطات التي تتطلب تحفيز الدماغ، كقراءة القصص، وحفظ الشعر، وحلّ مسائل الرياضيات، مع التشديد على أن المطلوب هو تعزيز القدرة على الانتباه المُركّز عند الأطفال، وليس قدرة المُحاكاة والتقليد التي تظهر عند قيامهم بأمور معقدة. تنشيط المخّ لربما أدى استخدام التكنولوجيا في شكل غير منظم إلى إشكاليات في بنية الدماغ. في المقابل، تبدو بعض التقنيات مفيدة جداً لتنشيط المخ، كأفلام الفيديو والألعاب الثلاثية الأبعاد، لأنها تزيد قدرة الطفل على تحديد المواقع والتنقّل في المساحات، كما تعزّز قدرته على التفاعل مع المعطيات والتنسيق بين نشاطات اليد والعين. يكفي أن نراقب الأطفال عند معالجتهم للأدوات التقنية، لنفهم أنّهم ذوو «ذكاء» مبتدع إذا صح التعبير، بمعنى أنه ذكاء تكنولوجي، يشير إليه البعض باسم «ذكاء الأصابع». ويبدو الشباب مجهّزين أفضل تجهيز لمواجهة عالم السرعة والحركة، عبر رسائل الخليوي القصيرة. يرى البعض أنهم شباب ال «أس أم أس»، المتهم بأنه «غير مثقف»، لكنهم مسلّحون دماغياً لمواجهة هذا العالم الذي يتجه دائماً نحو ما هو أسرع. يتمتع هذا الجيل بالإبداع والقدرة على أخذ القرارات بسرعة. يعبّر هذا الجيل بال «أس أم أس»، بل يفكر أيضاً بهذه «اللغة» التي بناها على صورة العالم الذي يعيش فيه. تنمي هذه الأشياء لدى الأصغر سناً القدرة على التوليف والتلخيص السريع للأفكار، ما يعني أنه يروض ذاته على التعامل مع قضايا متعددة في حيّز زمني قصير، مع القدرة على تجميع الأفكار وربطها في شكل جيّد، لكن من دون تعمق كبير. يعبّر استخدام الإشارات في كتابة الرسائل القصيرة عن القدرة على تلخيص الأفكار بسرعة، وإيجاد حالات نفسية وتعبيرية تتلاءم مع الأدوات المستخدمة، بعيداً عن الكلمات غير القابلة للاستخدام في هذا المجال. ولعل كثرة استخدام هذا النوع من الإشارات، تؤدي إلى تغيّرات في عملية التفكير، بل في تركيبة الدماغ نفسه، بفعل مرونته الذاتية. لا بد من الإشارة إلى أن ترابط الأعصاب مع التكنولوجيا أصبح أكثر وضوحاً، خصوصاً مع وجود أدوات تقنية تتفاعل مع الجلد والعين والنظر. إذ تتّجِه البحوث الحديثة نحو السيطرة على الآلات وقيادتها، عبر التفكير بها دماغياً. وما زالت هذه الأمور في مراحلها المبكرة. «هل تحوّلنا الإنترنت أغبياء»؟ هذا عنوان استفزازي للكاتب الفرنسي نيكول كير في كتاب حقّق مبيعات واسعة، لكنه أيضاً سؤال يظل مطروحاً.