تراجع الجنرال جون آلن، القائد الأميركي للتحالف الدولي «الأطلسي» في أفغانستان، عما قيل في الأشهر الماضية عن ضعف أثر هجمات الأفغان الداخلية في مهمة الحلف في أفغانستان. فهو أعلن تقليص العمليات المشتركة مع الشرطة الأفغانية والجنود الأفغان لتخفيف أخطار الإصابات «الداخلية». والقرار اتخذته واشنطن بعد تناسل عمليات القتل وتعاظم وتيرتها. وقبل 24 ساعة من القرار الصادر في 16 الشهر الجاري، قتل شرطي أفغاني بريطانيين و4 اميركيين، فارتفع عدد ضحايا التحالف في حوادث مماثلة إلى 51 ضحية هذا العام، بعدما بلغ 35 العام الماضي، ولم يتجاوز ضحيتين في 2008. فاجأ القرار كبار المسؤولين الميدانيين في أفغانستان ووزير الدفاع البريطاني، فيليب هاموند الذي اعلن في اليوم التالي أمام مجلس العموم أن السياسة في أفغانستان لن تتغير. لكن القرار هذا تترتب عليه نتائج استراتيجية، فالضباط اليوم صاروا ملزمين باستئذان جنرال أعلى مرتبة قبل المشاركة في عمليات مشتركة مع قوات أفغانية على مستوى اصغر من كتيبة. والعمليات الصغيرة، ومنها تسيير الدوريات المشتركة، هي ركن الخطوات العسكرية اليومية لجبه «طالبان» والمتمردين. وقبل صدور القرار، درجت قوات «الناتو» على تسيير مثل هذه الدوريات المشتركة، ورفع التحالف الدولي لواء تعاون الحلفاء «اليد باليد». وفي عدد من المجالات، ألزم الضباط الجنود بالتعاون مع القوات الأفغانية تعاوناً شاملاً. فالعمل المشترك كان الوسيلة الأمثل لتدريب القوات الطرية العود ودعمها. والبريطانيون، وعدد قواتهم في جنوب البلاد 9500 جندي، ينسجون علاقات وثيقة مع زملائهم الأفغان. وإذا لم يخفف الجنرال آلن قيود قراره ويعدل عنها في القريب العاجل، تواجه استراتيجية «الناتو» الهادفة إلى تسليم القوات الأفغانية المسؤوليات الأمنية تسليماً متدرجاً نهاية 2014، خطر التداعي والانهيار. وبعض فرق الجيش الأفغاني اشتد عودها ويسعها الاستغناء عن الدعم «الأطلسي»، لكن معظم الفرق لم «ينضج» بعد. ثمة مؤشرات إلى أن الضباط الأفغان، وهم يعتمدون على قوة نار «الناتو» ولم يتدربوا بعد على تنسيق تعاون جوي وثيق، صاروا يترددون في الاشتباك مع الأعداء. ويتوقع أن تواجه قوات التحالف صعوبات اكبر في تسيير الدوريات في غياب مؤازرة القوات الأفغانية لها في التعاون مع السكان وتفتيش المنازل. ويفيد صحافيون يرافقون الفرق الأميركية، عن إلغاء عمليات كثيرة وإرجاء عدد كبير منها. وتتباين الآراء في تقويم أسباب ارتفاع عدد الهجمات «الداخلية»، ويعزوه قادة «الناتو» إلى اختراق «طالبان» القوات الأفغانية أو إكراهها الجنود على تصفية زملاء لهم وإلى الخلافات الثقافية. ويرى بعض الجنود الأميركيين أن العمليات هذه مردها إلى عجزهم عن التستر على مشاعرهم السلبية إزاء شركائهم الأفغان. فهم ينظرون اليهم على انهم مدمنو مخدرات وخاملون، في وقت يستاء الأفغان من ميلهم إلى الشتائم وتوسل نبرة الأوامر العسكرية الحادة والعنيفة التي يصدع بها الجنود الأميركيون. وترى الحكومة الأفغانية أن جهات أجنبية استخباراتية باكستانية وإيرانية ضالعة برشوة الجنود ورجال الشرطة وابتزازهم لحملهم على المشاركة في تصفية زملائهم «الأطلسيين». وقد لا يجافي الصواب بعض أوجه هذه التفسيرات، ولكن في وقت تتعاظم مسؤوليات القوات الأفغانية - وإجازات عناصرها قليلة ونادرة ونسبة الضحايا في صفوفها تفوق أضعاف الضحايا في صفوف الحلفاء - تقلل أهمية الاختراقات ويقلص حجمها المعلن لتفادي رفع معنويات «طالبان». ويعود جزء من المشكلة إلى وتيرة تجنيد العسكريين ورجال الشرطة السريعة، وبلغ عدد المجندين هذا العام 350 ألف عسكري، أي اكثر من ضعفي نظيره في 2009. وفي وقت يتفاقم تآكل القوات هذه على وقع سقوط الضحايا في صفوفها والتقاعد والغياب الطويل من غير إذن، يبدو عسيراً الحفاظ على هذا العدد من المجندين. واليوم، فرضت قيود كبيرة على المجندين الجدد والقوات التي تظهر فجأة بعد اختفائها وقتاً طويلاً. ورفع عدد عمليات الاستخبارات المضادة لرصد «المندسين»، وأوكل إلى حراس السهر على سلامة قوات التحالف الدولي حين عملها مع الأفغان. لكن هذه الإجراءات لا تذلل المشكلة تذليلاً سريعاً. وتلجأ قيادة أركان التحالف في كابول إلى المناورة، وتعتبر ان قرار وقف العمليات المشتركة تكتيكي، في وقت تعاظمت أخطار الهجمات بسبب موجة العنف التي ترافقت مع بث شريط يوتيوب (المسيء الى الإسلام). وقد يكون أيسر على الجنرال آلن، العودة عن القرار في تشرين الثاني (نوفمبر)، اثر طي السباق الانتخابي. فالسياسة الداخلية الأميركية هي وراء القرار، ولم يدع القادة الميدانيون إليه. لكن الثقة بين قوات التحالف وشركائها الأفغان تبددت، و»طالبان» قطفت نصراً من غير أن تحرك ساكناً. وتفاقمت عثرات نقل المسؤوليات إلى القوات الأفغانية. *عن «ذا ايكونوميست» البريطانية، 22/9/2012، اعداد منال نحاس