دعا رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم البابا بنديكتوس السادس عشر، في اليوم الثالث والأخير من زيارته لبنان التي انتهت مساء أمس، المجتمع الدولي والدول العربية الى اقتراح الحلول التي تحترم حقوق الإنسان. وقال، في كلمة مقتضبة خلال تسليمه البطاركة والأساقفة والكرادلة الشرقيين نسخاً من الإرشاد الرسولي لكنائس الشرق الأوسط الذي وقعه في اليوم الثاني من زيارته: «نتضرع للسيدة العذراء لتساعد كل شعوب المنطقة، وبخاصة الشعب السوري، وأنتم تعرفون المشاكل التي تعصف بالمنطقة، فالآلام كثيرة ولا نزال نستمع الى صراخ الأرامل والأيتام، والنساء والأطفال هم أول الضحايا. لماذا هذا الكم من الموت؟». وكان البابا رأس صباحا قداساً في الواجهة البحرية لبيروت شارك فيه مئات الألوف من اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، اضافة الى مجموعات عربية وأجنبية حضرت الى لبنان خصيصاً للمشاركة في هذه المناسبة، واضطروا، لضيق المساحة المخصصة للقداس الى مواكبته من المناطق المجاورة للمكان الذي أقيم فيه. وتقدم الحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان وعقيلته وفاء وممثلان لرئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ونائب رئيس الحكومة سمير مقبل، ورؤساء الطوائف المسيحية ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميل ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون وحشد من مختلف الكتل النيابية في البرلمان، إضافة الى أكثر من 1500 كاهن من مختلف الطوائف المسيحية. وألقى البطريرك الماروني بشارة الراعي، قبل بدء القداس، كلمة رحب فيها بالبابا. وقال إن زيارته تحمل رسالة سلام يتوق اليه العالم بأجمعه والشرق الأوسط بخاصة، مؤكداً ان «السلام هو مهمة المسيحيين ويعتبرونه هبة من الله يجب الحفاظ عليها، ويشعر المسيحيون أنهم مدعوون الى جعل السلام ثقافة حياة». ولفت الراعي الى ان زيارة البابا لبنان تأتي في زمن تعيش فيه المنطقة تحولات جذرية تهدد أمنها واستقرارها، وتحمل الكثير من الأمل، وقال مخاطباً البابا: «ان زيارتكم مكملة لإعلانكم النبوي العام 2009 عن انعقاد جمعية خاصة بسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط والتي تركز على الوجود المسيحي وشهادة المسيحيين ورسالتهم في هذه المنطقة والسينودس أدخلها في قلب الربيع الروحي المسيحي»، ومعرباً عن أمله بأن تؤدي هذه الأحداث الدامية والتضحيات الى ولادة هذا الربيع. ودعا البابا في عظته الكنيسة والمسيحيين الى خدمة العدل والسلام في عالم لا يتوقف فيه العنف عن بسط ظل الموت والدمار. وقال: «هي حاجة ملحة للالتزام من أجل مجتمع أخوي ولبناء الشركة». واستحضر البابا في اجتماعه مع ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية الوضع الراهن في مصر وقال: «تفكيري يذهب الى الكنيسة القبطية في مصر. أشجعكم على أن تبقوا في هذه المنطقة وتتحلوا بالرفاه، أصلي من أجل كل الكنائس والمجموعات في هذه المنطقة». وفي احتفال وداع البابا في مطار بيروت مساء، قال الرئيس سليمان «ان لبنان سيبقى وفياً لعلاقته مع الكرسي الرسولي، ولدوره ورسالته في محيطه، مؤكداً الحاجة الى الانخراط في مقاصد الإرشاد الرسولي الجديد من أجل الشرق الأوسط والتوصيات بالتعلق بالأرض والهوية والحرية والنهوض بإنسانيتنا الى آفاق التسامح واحترام الآخر ونبذ الفتنة والعنف وتحقيق السلام نمط حياة لشعوب المنطقة». ووعد بالسعي بعزم وثبات كي يبقى لبنان بلد حوار وانفتاح وشراكة متكافئة لجميع أبناء شعبه. ورد البابا بكلمة شكر فيها الرئيس سليمان ورئيسي المجلس النيابي والحكومة والوزراء والبطاركة على ما بذلوه من أجل تنظيم مختلف المناسبات التي صاحبت حضوره. وقال: «أتوجه بشكري الخاص لكل الشعب اللبناني الذي يشكل فسيفساء غنية ورائعة والذي استطاع ان يظهر لخليفة بطرس حماسته». ولفت الى انه استطاع التقاء مختلف مكونات المجتمع اللبناني وقال: «أصلي من أجل لبنان كي يحيا في سلام ويقاوم بشجاعة كل ما من شأنه ان يقوض هذا السلام أو يقضي عليه»، متمنياً للبنان الاستمرار في السماح بتعدد التقاليد وبتعزيز الشركة بين جميع سكانه وبالرفض القاطع لكل ما قد يدفع للتفرقة. ومع ان البابا شدد في خطبه على استئصال التطرف ومنع استخدام العنف وعلى دعوة المسيحيين الى البقاء في أرضهم وعدم الهجرة، فإن الزيارة بحد ذاتها خلقت جواً من الطمأنينة يفترض أن يوظف، بحسب مصادر مواكبة للقاءات التي عقدها، في التخفيف من وطأة التشنج والاحتقان السائد في البلد. وقالت المصادر إن البابا حرص، وعلى طريقته، على حض الجميع على الانخراط في مشروع الدولة وتحقيق الوفاق تحت مظلتها، مؤكداً ان لا مفر من التعايش بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. وأملت المصادر بأن ينسحب جو الاسترخاء السياسي الذي حققته زيارة البابا وتمثل في خفض منسوب التوتر في الخطاب السياسي على جلسة الحوار الوطني المرتقبة الخميس المقبل برعاية رئيس الجمهورية. ولفتت الى ضرورة الإفادة من الأجواء الإيجابية التي طغت على هذه الزيارة لجهة الانتقال بالبلد من مشهد التأزم السياسي الذي يمر فيه الى الحوار حول المشكلات التي ما زالت عالقة وأبرزها مسألة سلاح «حزب الله» انطلاقاً من جدول الأعمال الذي حدده سليمان وفيه ان كل السلاح يجب أن يخضع لأمرة الدولة. واعتبرت ان الحوار المقبل سيكون محط اختبار لقدرة الأطراف المشاركين فيه على الانتقال بلبنان من موقع الاختلاف في ما بينهم وتبادل تسجيل المواقف الى الدخول في صلب المواضيع التي كانت وراء الدعوة الى استئناف الحوار.