في تطور لافت، شهدت محاكمات المتهمين في كارثة السيول التي ضربت جدة في العام 2008، استفساراً من المحكمة الإدارية وجهته إلى وزير على رأس العمل حالياً، حول بعض التهم الموجهة إلى مسؤول في أمانة جدة من أجل استجلاء الحقيقة. وجاء استفسار المحكمة عبر خطاب سري وجهته إلى الوزير بعد مواجهة مسؤول الأمانة بعدد من التهم أبرزها حصوله على عدد من المركبات من قبل رجل أعمال أثناء عمله في الأمانة، بيد أن المسؤول نفى التهمة، مؤكداً أنها ليست رشوة، وأنه لم يأخذها إنما قام بإيصالها فقط. وجاء رد الوزير وعبر خطاب سري إلى قاضي المحكمة الإدارية الدكتور سعد المالكي، ولم يكشف القاضي عن محتوى الخطاب لكنه حمل إجابات عن استفسارات المحكمة حول تلك المركبات التي تسلمها مسؤول الأمانة. وأكد القاضي أن الخطاب «سري» بناء على مخاطبة المحكمة للوزير للحصول على معرفة خلفيات تلك التهمة التي وجهتها هيئة الرقابة والتحقيق إلى مسؤول الأمانة والتي بدورها نفاها المتهم خلال الجلسات الماضية. ويعد ذلك الخطاب هو الأبرز في محاكمات كارثة السيول حتى الآن، إذ هدفت المحكمة من ذلك الإجراء إلى استيضاح الأمور الخاصة بالمتهمين كافة في كارثة السيول، والتي يعمل فيها الفريق القضائي على إنهاء تلك الملفات في أسرع وقت ممكن. وأوضح المحامي والمستشار القانوني محمد المؤنس أن للمحكمة الحق في مخاطبة أي مسؤول ترى أن له أثراً في «الدعوى القضائية» التي تنظرها ضد أي شخص كان، مضيفاً «وهذا الإجراء يأتي من أجل استجلاء الحقيقة واستيضاحها». وقال المحامي المؤنس أن بعض المتهمين لا يستطيع إحضار بعض الأدلة أو يتعذر عليه إيجادها. وأضاف «في بعض الأحيان لا تترك المحكمة للمتهم البحث عن بعض الأدلة وإنما تبادر هي بالبحث عنها». وأشار إلى أن إجراء المحكمة طبيعي كونها رأت أن خطاب الوزير قد يؤثر في الدعوى وتبيان موقف المتهم وحقيقته إما بتعزيز الاتهام أو نفيه. ولا تزال محاكمة المتهم تجري في أروقة المحكمة، إذ ستواصل النظر في ملف القضية خلال الجلسة المقبلة التي حددتها المحكمة في شوال الجاري، لمناقشة المتهم، إضافة إلى عدد من المتهمين الآخرين في عدد من التهم الأخرى قبل إصدار الحكم في القضية وإغلاقها. وتضمنت التهم الموجهة إلى مسؤول الأمانة والتي واجهه بها قاضي المحكمة اتهامه بالحصول على مليون ريال رشوة من المتهم الأول، وسيارة «مرسيدس بنز» من رجل أعمال آخر بهدف تسليمهما كروكي الأرض محل الاتهام. ورد المسؤول على الاتهامات بالتأكيد أن الكروكي صدر قبل تعيينه بعامين، وأنه ينكر ما نسب إليه زاعمًا بأنه لم يقم بطلب وأخذ مبلغ الرشوة من المتهم الأول، وأنه لا يعرفه بتاتًا، وأن اعترافاته المصدقة شرعاً أخذت منه بالقوة. واعترف «المسؤول» بأنه بالفعل وجد لوحات السيارة داخل كيس معلق على باب منزله لدى عودته، وأنه قام بتسليمها لأمين محافظة جدة في تلك الفترة، وأنه لا يعلم ما تم بشأنها بعد ذلك. ورد ممثل الادعاء بأن المتهم اعترف بما نسب إليه، وأن الاعتراف مؤيد بأدلة مادية منها توقيعه خطاب الأمانة الخاصة بالمعاملة المتعلقة بالكروكي محل الاتهام، وأن حصوله على السيارة وقيامه بعد ذلك بدفعها إلى الأمين لا يغير من الأمر شيئًا. واستكمل رئيس الدائرة القضائية مواجهة قيادي الأمانة حيال الدليل الذي قدمه الادعاء ضمن لائحة الاتهام والمتعلق بوجود 3.9 مليون ريال في منزله، ووجدت موزعة بطريقة مريبة داخل البيت وبين أثاث منزله (تحت الفرش وخلف مرايا المنزل والحمامات، وتحت سرير غرفة النوم). ورد قيادي الأمانة بأن تلك المبالغ عبارة عن مدخراته هو وزوجته منذ سنوات عديدة، وأنه لم يضعها في المصارف لأنه يخشى على نفسه من (أعين الحساد)، لكن رئيس الدائرة باغته أثناء حديثه متسائلاً: كم عدد الحسابات المصرفية لديك؟، فأجاب أنها خمسة حسابات مصرفية. وأكد في تبريره عدم وضعه هذه الملايين الثلاثة في حساباته، زاعمًا أن الحسابات التي قام بفتحها اضطر لذلك لأن أبناءه وبناته يدرسون في مدارس تحفيظ القرآن والتي تصرف لهم مكافآت شهرية يتم تسليمها لهم من خلال إلزامهم بفتح حسابات مصرفية للحصول على هذه المكافآت. وكانت المحاكم الشرعية في محافظة جدة شهدت مثول عدد من المتهمين في الكارثة أمام القضاء خلال الأشهر الماضية، إذ استمع القضاة المكلفون بنظر قضاياهم إلى ردود المتهمين والتي تفاوتت ما بين النفي وطلب البعض رفض الدعوى وإنكار البعض لبعض التهم، وأن ما قام به كان نتيجة لأوامر رؤسائه. فيما أرفقت جهات التحقيق عدداً من القرائن التي تدين المتهمين أبرزها، إقرار بعضهم بوقوع تقصيرٍ من جانبه، وما تضمَّنه تقرير إدارة الدِّفاع المدنيِّ، إضافةً إلى ما وَرَدَ في محضر الاطّلاع على الصور، والبيانات المحفوظة على وحدة التخزين «CD»، الوارد بخطاب أمانة جدة، ومحضر الانتقال، ومعاينة موقع الكارثة بتاريخ 16/1/1431، ومحضر وقوف لجنة الأمانة وهي التي استند عليها الادعاء العام. يذكر أن المدعي العام طلب من المحكمة إيقاع عقوبة تعزيرية على المتهمين في كارثة جدة بما يحقق المصلحة العامة، كون الأفعال التي ارتكبوها مخالفة صريحة للأوامر، والتعليمات، وعدم مراعاة مصالح الوطن، والعامة من الناس وهو ما أدى إلى إزهاق أرواح البشر والذي تجاوز عدد المتوفين فيها ال100 شخص بحسب تقرير الدفاع المدني وإصابة 350 شخصاً، إذ تضمنت قرارات الاتهام التي وجهتها هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام إلى المتهمين من مسؤولين في الدولة ورجال أعمال تهماً عدة، أبرزها السماح للمواطنين بالبناء في مجرى السيل مخالفاً بذلك التعليمات والأوامر الملكية السابقة التي تقضي منع البناء والتملك في بطون الأودية، والسماح لمواطنين بالاستفادة من قطعهم السكنية في مخطط أم الخير شرق جدة الواقع في مجرى للسيل، وإزهاق الأرواح البشرية، وإتلاف الممتلكات العامة فضلاً عن ارتكابهم جرائمَ أخرى شملت قضايا الرشوة، والتفريط في المال العام، والإهمال في أداء واجبات وظيفته.