في كل محاكمة من محاكمات كارثة سيول جدة، يظهر المتهمون أسلوباً "مبتكراً" في دفع الرشوة أو الحصول عليها. وآخر تلك الأساليب ما أقر به رجل أعمال في جلسة أمس، حضرتها "الوطن"، بأنه رشا مساعداً سابقاً لأمين جدة بمليون ريال وضعها في كيس فيه عسل، وأرسله إلى منزله، في مقابل أن يزوده بكروكي تخطيطي لأرض في منطقة ذهبان شمال جدة. أما المرتشي، وبحسب اللائحة ومحضر الضبط، فوزّع المليون في أرجاء منزله إذ وضع جزءا خلف خشبة مرآة غرفة النوم، وآخر تحت أريكة، وثالثا تحت سجادة. اعترف رجل أعمال من بين المتهمين في كارثة سيول جدة بدفعه رشوة لمساعد سابق لأمين جدة لقاء تزويده بكروكي تخطيطي لأرض في منطقة ذهبان شمال جدة، قائلا "حضرت إلى مكتب المتهم، وهو مساعد سابق لأمين جدة في مقر عمله بالأمانة عدة مرات للحصول على كروكي الأرض محل القضية، وعندما لم أجد منه إصغاء لطلبي، قلت له: عندما تعود لمنزلك ستجد كيسا به عسل". وعلمت "الوطن" من مصادر مطلعة، أن لائحة الاتهام التي وجهتها هيئة الرقابة والتحقيق لمسؤول أمانة جدة تضمنت اعترافات صريحة للمتهم الأول "رجل الأعمال"، برشوة المتهم الثاني "مسؤول الأمانة"، كما تضمنت اللائحة محضر ضبط مبلغ مليون ريال في منزل مسؤول الأمانة، قام بتوزيعها نقدا في أجزاء متفرقة في منزله، فمنها جزء خلف خشبة مرآة غرفة النوم، وجزء تحت أريكة، وجزء تحت سجادة، وأن هذا المبلغ تقاضاه من رجل الأعمال في كيس أودعه الأخير في منزله قبل أن يتوجه إليه في مكتبه بالأمانة لإنجاز تسليمه كروكيا تخطيطيا لأرض في منطقة ذهبان شمال جدة. إلى ذلك، حضرت "الوطن" أمس، جلسة محاكمة المتهم "مسؤول الأمانة"، الذي أنكر تهمة الرشوة، وتراجع عن اعترافاته التي أدلى بها أمام هيئة التحقيق، قائلا "إن ما أدلى به من اعترافات أخذت منه عنوة"، وهو ما رفضه القاضي، الذي طالبه بتقديم دليل على ذلك، خاصة أن اعترافاته جاءت متناسقة مع اعترافات رجل الأعمال الذي اعترف برشوته. مسؤول الأمانة بدا عليه الارتباك والدهشة فور سؤال القاضي له عن "كيس العسل"، والمبالغ الموزعة خفية في منزله، وسبب عدم إيداعها في حساباته الخمسة المسجلة باسمه في عدة بنوك، وسأله القاضي: هل وجدت عسلا عندما فتحت الكيس؟. أما المتهم الأول وهو رجل الأعمال "الراشي"، فأجاب القاضي بأن الكروكي محل الاتهام عُمل قبل تعيين المتهم الثاني "مسؤول الأمانة" بعامين، وأن الأرض ليست باسمه وليست له فيها مصلحة، وأنها تعود لمالكها، وبمواجهته بما جاء في أقواله المصدقة شرعا، قال إنها أخذت منه عنوة، وسأله القاضي: ما هو دليلك على أن الاعترافات والمعلومات التي ذكرتها قد أخذت بالقوة، أو أنك تعرضت للضرب، خاصة أنك ذكرت تفصيلات لمعلومات مترتبة على بعضها بعضٍ، لا يمكن أن تؤخذ من أحد آخر سواك، ورد المتهم بأنه ليس لديه ما يثبت ذلك، وبمواجهته بأقوال المرتشي المتفقه مع اعترافاته حول تفاصيل تسليمه الكيس الذي يحوي مبلغ مليون ريال، أجاب بأن اعترافات المتهم الثاني قاصرة عليه، وأنها غير صحيحة. وبعرض ما ذكر على ممثل الادعاء أفاد بأن التهمة ثابته في حق المتهمين، وكذلك مبلغ رشوة المليون ريال، وفقا لاعترافاتهم المصادق عليها شرعا، وأنه لو صحت مقولة أخذ اعترافاتهم عنوة لكان تقدم بدعوى منذ عامين، وأن لائحة الاتهام قد دعمت بأدلة مادية منها إثبات وجود ملايين الريالات في منزل المتهم الثاني، على أن التحقيقات في هذه القضايا قد تمت من قبل لجنة من أعلى المستويات ولم يكن الهدف منها الإضرار بأحد، وإنما كشف الفساد فيما يتعلق بقضايا السيول. وعقب ممثل الادعاء بأن المتهم الثاني اعترف بما نسب إليه، وأن الاعتراف قد تأيد بأدلة مادية منها توقيعه خطاب الأمانة الخاص بالمعاملة المتعلقة بالكروكي محل الاتهام، فيما رد المتهم بأن المبالغ هي مدخراته هو وزوجته منذ سنوات، وأنه لم يضعها في البنوك لأنه اضطر لفتح حسابات بنكية مختلفة لتسلم مكافآت أبنائه من مدارس تحفيظ القرآن التي يدرسون بها.