أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن جهود النظام السوري لوضع حد لأعمال العنف الدائرة في البلاد منذ 17 شهراً «غير كافية» وذلك في تشديد جديد للضغوط الروسية على النظام السوري من أجل وقف العنف وسحب الآليات الثقيلة تمهيداً لبحث حل سياسي للأزمة التي تهدد بالخروج عن السيطرة داخلياً وإقليمياً. وقال لافروف لنائب رئيس الوزراء السوري المكلف شؤون الاقتصاد قدري جميل الذي يزور موسكو حالياً «بحسب ما نشهده في سورية يبدو في الوقت الراهن أن التدابير المتخذة غير كافية لكننا مقتنعون بأنه ما من سبيل آخر سوى الاستمرار في هذا النهج». وتابع لافروف لدى بداية اللقاء انه «مهتم جداً للاستماع إلى تقييمه لما يحصل (في سورية) وخطط العمل مستقبلاً... والتي من شأنها أن تنتقل بأسرع وقت بالوضع إلى مسار الحوار السياسي حتى ليتمكن السوريون من تقرير مصيرهم بأنفسهم ومن دون تدخل خارجي». وأكد جميل أن التدخل الخارجي يعد المشكلة الرئيسية في عملية تسوية الأزمة بطرق سلمية. وقال إن الحكومة السورية تحاول إيجاد مخرج من الوضع الحالي، وتعمل تحت شعار المصالحة الوطنية. وهي ثاني زيارة لجميل إلى روسيا للقاء وزير الخارجية الروسي. كما قال جميل إن «التدخل العسكري المباشر في سورية مستحيل لأن من يفكر فيه اياً يكن... انما يدخل في مواجهة اوسع نطاقاً من حدود سورية»، مشيراً إلى ان تهديد أوباما للاستهلاك الاعلامي. واعتبر في تصريحات رداً على أسئلة للصحافيين ان تحذير اوباما للنظام السوري حول الاسلحة الكيماوية ليس سوى «دعاية مرتبطة بالانتخابات الاميركية». وكان جميل بحث مع لافروف في موسكو في الثالث من آب (أغسطس) في المساعدة الاقتصادية التي يمكن لروسيا أن تقدمها لسورية. لكن لم يتم خلال المحادثات قطع أي تعهد ثابت. وفي ختام تلك الزيارة أعلن نائب رئيس الحكومة السورية أن موسكو أكدت لدمشق أنها ستدرس مسألة منح قرض لها. وأفاد جميل آنذاك بأن الطرفين الروسي والسوري اتفقا بشكل مبدئي حول مبيعات موارد الطاقة الروسية لسورية وأن تفاصيل ذلك ستبحث أثناء الاتصالات القريبة. في موازاة ذلك، اعتبر لافروف أن على الدول الأجنبية أن تكتفي بتهيئة الظروف للبدء بحوار بين مختلف الأطراف المتنازعين في سورية. وقال لافروف، بعد يوم من تهديد الرئيس الأميركي باراك أوباما دمشق بإمكان تدخل عسكري في سورية في حال نقل أو استخدام أسلحة كيماوية، إن «المصالحة الوطنية السبيل الوحيد لوقف إراقة الدماء في اسرع وقت وإيجاد الشروط ليجلس السوريون إلى طاولة المفاوضات لتقرير مصير البلاد من دون أي تدخل اجنبي». وجدد قوله في تصريحات نقلها التلفزيون الروسي «الأمر الوحيد الذي على الأطراف الغربيين القيام به هو تهيئة الظروف للبدء بحوار». وحذر لافروف الغرب من اتخاذ إجراء منفرد في ما يتعلق بسورية، قائلاً إن روسيا والصين متفقتان على عدم السماح بأي انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة. وجاءت تصريحات لافروف اثر اجتماع عقده في موسكو أمس مع داي بينغ قو مستشار الدولة الصيني. ونقلت وكالة «انترفاكس» الروسية عن لافروف قوله إن التعاون الديبلوماسي الروسي والصيني يستند إلى «الحاجة إلى الالتزام بصرامة بمعايير القانون الدولي والمبادئ الواردة في ميثاق الأممالمتحدة وعدم السماح بانتهاكها». واستطرد «أعتقد أن هذا هو المسار الصحيح الوحيد في الظروف الراهنة». وكان أوباما حذر الرئيس السوري أول من امس في أشد لهجة له من تجاوز «الخط الأحمر» حتى لو كان ذلك بمجرد نقل أسلحة غير تقليدية بشكل ينطوي على تهديد. وأشار أوباما إلى أنه أحجم «في هذه المرحلة» عن الأمر بتدخل عسكري أميركي في الصراع الدائر بسورية. لكن عندما سئل في مؤتمر صحافي عقد بالبيت الأبيض عما إذا كان من المحتمل أن ينشر قوات لتأمين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية على سبيل المثال قال إن رأيه يمكن أن يتغير. وتابع أوباما «لقد أوضحنا بجلاء لنظام الأسد وأيضاً للاعبين آخرين على الأرض أن تجاوز الخط الأحمر من وجهة نظرنا هو أن نبدأ نرى مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية يجري نقلها أو استخدامها. سيغير ذلك حساباتي». وعندما سئل أوباما عما إذا كان يتصور احتمال استخدام القوات الأميركية على الأقل لحماية الترسانة الكيماوية السورية قال «نراقب هذا الوضع باهتمام شديد. أعددنا مجموعة خطط للطوارئ». وأعلنت الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أول من امس، أن واشنطن لا تستبعد أي إجراءات بشأن سورية خارج إطار الأممالمتحدة، لأنها تشك في أن يتمكن أعضاء مجلس الأمن الدولي من تسوية الخلافات والتوصل إلى موقف موحد. وأكدت نولاند من جديد الموقف الأميركي من الأزمة السورية، وقالت إن السلام لن يتحقق في سورية من دون تنحى الرئيس بشار الأسد. ودعت الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي الجديد إلى سورية، إلى تكوين وجهة نظره بنفسه قبل اتخاذه خطوات. وقالت نولاند في مؤتمر صحافي: «موقفنا واضح، وهو أنه لن يتحقق سلام في سورية ما لم يتنح الأسد، ويوقف حمامات الدماء. سنكون واضحين مع المبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي حول رؤيتنا، ولكن من العدل أن يبدأ مهمته ويعرض وجهة نظره بنفسه». وتأتي هذه التصريحات بعد خلاف بشأن حديث نسب للإبراهيمي أكد فيه أنه «من السابق لأوانه القول إن كان على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتنحى عن السلطة في بلاده أم لا». ويقول موقع «جلوبال سيكيورتي» الذي يجمع تقارير مخابرات منشورة وبيانات أخرى انه توجد أربعة مواقع يشتبه في أنها تضم أسلحة كيماوية في سورية وهي شمالي دمشق وقرب حمص وفي حماة وقرب ميناء اللاذقية على البحر المتوسط وذلك دون ذكر مصدر. ورداً على التهديدات الأميركية، انتقدت وكالة الأنباء الرسمية السورية «سانا» تصريحات أوباما معتبرة أنها تأتي في إطار «السباق الانتخابي الذي تشهده الولاياتالمتحدة الأميركية هذه الأيام، والصراع على كسب أصوات المتصهينين، وخطب ود إسرائيل بين المرشحين الجمهوري ميت رومني والديموقراطي باراك أوباما». وأشارت الوكالة الرسمية إلى أن تصريحات أوباما هي «مواصلة لسياسة التدخل السافرة في شؤون الدول الداخلية وانتهاك سيادتها، حيث نصب أوباما نفسه هذه المرة وكيلاً عن الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار من يمثله»، بحسب ما أوردته الوكالة. ووصفت الوكالة تصريحات أوباما بالعودة إلى الحديث عن الأسلحة الكيماوية السورية «باجترار نغمة التخويف من بعض أنواع الأسلحة التي اعتاد العالم على سماعها وعلى كذبها في ذات الوقت متناسياً مئات الرؤوس النووية التي تمتلكها إسرائيل والتي تشكل مصدر التهديد الأوحد على أمن المنطقة».