استنفرت السلطات المصرية أمس لتطويق تبعات أحداث المواجهات التي تجددت بين مسلمين ومسيحيين مساء أول من أمس في قرية دهشور جنوبالقاهرة، فتدخل الرئيس محمد مرسي بعد انتقادات وجهت إلى طريقة تعامله مع الأحداث، وشدد على «تطبيق القانون»، فيما شكل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) لجنة للصلح، وهو ما أثار انتقادات لتغييب القانون. وطالبت الكنيسة القبطية ب «التصدي بحزم للعنف المنتشر ضد الأقباط في الفترة الأخيرة»، كما دعت إلى معاقبة الجناة والمحرضين في الأحداث التي وقعت بسبب حرق مكوجي قبطي قميصاً لزبون مسلم. وتظاهر أمس عشرات الأقباط أمام القصر الرئاسي احتجاجاً على ما حدث في قرية دهشور، فيما حاصر مئات مديرية أمن محافظة الجيزة، ورفعوا لافتات كتب عليها: «لا للتهجير القسري لمسيحيي دهشور»، و «يسقط يسقط حكم المرشد». وكان الهدوء الحذر عاد إلى قرية دهشور في محافظة الجيزة بعد اشتباكات بين مسلمين وأقباط أسفرت عن مقتل مسلم وتحطم ونهب عدد من المتاجر عند مدخل القرية التي تبعد 40 كيلومتراً عن قلب القاهرة، معظمها مملوك لأقباط. وبسطت قوات الأمن تعزيزاتها الأمنية في القرية بالآليات وسيارات نقل جنود الأمن المركزي لتأمين كنيسة مار جرجس مع تكثيف الدوريات الأمنية. وقال مصدر أمني ل «الحياة» أمس: «صدرت توجيهات بتدخل القيادات الأمنية والتنفيذية والشعبية لعقد جلسة بين شيوخ وعواقل المسلمين والأقباط لإنهاء هذه المشكلة المتجددة». وأشار إلى أن «اشتباكات اندلعت بين قوات الأمن وشباب القرية المسلمين، ما اضطر الشرطة إلى إطلاق القنابل المسيلة للدموع للتصدي للمتجمهرين أمام منازل الأقباط، وأسفرت المواجهات عن إصابة مجند شرطة، إضافة إلى إصابة عدد من الشباب المتظاهرين باختناقات بسبب القنابل المسيلة للدموع بلغ عددهم نحو عشرين، وتمكن رجال الأمن من إخماد الحريق والسيطرة على الاشتباكات». وتوعدت عائلة الشاب معاذ محمد التي توفي متأثراً بجروح أصيب بها خلال الاشتباكات بالقصاص وأعلنت عبر مكبرات الصوت في مساجد القرية عدم تلقيها العزاء قبل «الأخذ بالثأر». وقال سكان إن «لصوصاً وبلطجية جاؤوا من قرى مجاورة لاستغلال الأحداث وسطوا على منازل ومتاجر». وأكد أقباط هجروا بيوتهم خوفاً من تداعيات المواجهات أنهم منعوا من الوصول إلى كنيسة القرية. وقال قائم مقام بطريرك الأقباط الأرثوذكس الأنبا باخوميوس إن «الكنيسة تصلي من أجل عودة السلام للوطن وأمن مواطنيه»، مؤكداً في بيان أمس أن «معاقبة الجناة والمحرضين في أحداث دهشور مطلب رئيس بالنسبة إلى الكنيسة، إلى جانب إعادة الأسر المهجرة إلى منازلها وتعويض المتضررين». وأعرب عن أسفه لوفاة الشاب معاذ على خلفية الاشتباكات، مديناً في الوقت نفسه العنف الجماعي الذي تعرض له أهالي القرية. وطالبت «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» ب «توافر إرادة سياسية واعية من مؤسسات الدولة كافة لحل المشكلة». وقال رئيس المنظمة حافظ أبو سعدة في بيان إن «صمت الرئاسة عن أحداث دهشور يعتبر بمثابة كارثة»، لافتاً إلى أن «حل الأزمات الطائفية يلزمه وجود إرادة سياسية لتطبيق القانون على أي مخالف وكل من شارك أو حرض على العنف الطائفي، سواء كان مسلماً أو مسيحياً». وكانت المنظمة أرسلت بعثة تقصي حقائق إلى دهشور الأربعاء للوقوف على ملابسات الحادث. ودعت إلى «رسم خطط مرحلية مُلحة وخطط استراتيجية طويلة المدى لإنقاذ الوطن من مغبة مثل هذه الأحداث، وعدم الاكتفاء بالحلول الأمنية فحسب». وطالبت بإعادة أقباط القرية إلى منازلهم، مشددة على أن «مخاوف الأقباط في قرية دهشور طبيعية ومنطقية وتكررت في أحداث مختلفة سابقة مثل كنيسة فرشوط والوراق وإمبابة وأطفيح». وسارعت رئاسة الجمهورية إلى الرد على الانتقادات الموجهة إليها على لسان الناطق باسمها ياسر علي الذي قال إن «الرئيس يتابع أحداث دهشور عن كثب، ووجَّه الجهات المعنية بتطبيق القانون بكل حزم وعدم السماح بالخروج عليه من أي أحد، والحفاظ على العلاقة الوثيقة بين أبناء المجتمع المصري مسلميه ومسيحييه». ونقل عن مرسي «تشديده في اتصالاته بالمسؤولين على أنه لن يسمح بأي حال من الأحوال بالاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة أو ترويع أي مواطن مصري». وقرر مجلس الشورى خلال جلسته أمس تشكيل لجنة تضم 8 من نواب محافظة الجيزة للنزول إلى منطقة دهشور «للتوفيق بين مواطنيها». وقال رئيس المجلس أحمد فهمي إن «دور اللجنة هو تهدئة الأمور ونزع فتيل الأزمة ولا نريد من اللجنة أن تأتي اليوم إلينا وتقول هذا مخطئ وهذا ليس مخطئاً». لكن وكيل مؤسسي حزب «الدستور» محمد البرادعي انتقد التعامل العرفي مع المشكلة وغياب تفعيل القانون. وقال أمس: «لدينا مشكلة طائفية تزداد حدة وتوغلاً. الحديث عن نسيج وطني ولجان تصالح وتهجير لمواطنين من دون معالجة حقيقية لجذور المشكلة هو لغو لا طائل منه». وحذر المرشح السابق للرئاسة عمرو موسى من تداعيات الاشتباكات. وقال: «أن يتسبب حرق قميص في فتنة وموت مواطن وتهجير لأقباط دهشور فهو أكبر دليل على الخطر الذي يواجهه المجتمع المصري بتهاوي مبادئه وروابطه وتراجع سلطة الدولة وهيبتها... ربنا يستر».