لا يشك عاقل في أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي اُصطلح على تسميتها «الهيئة» بتجريدٍ من الصفات في المسمى وإثباتٍ للممارسات في الواقع، هي القضية الأسخن والأكثر إثارةً وضجيجاً في المجتمع السعودي. وحتى ولو نظّر البعض وجادل في قضايا أخرى إلا أن في كل فترة تثور البراكين الخامدة وتفوح رائحة الأطعمة البائتة... السؤال العريض: لماذا هذا الضجيج والقضّ والقضيض؟ هل هي مؤامرة ضد هذا الجهاز الوقائي؟ أم أنها ثورة من دعاة التحرر. أم أنها نتاج لممارسات سلبية من الهيئة على أرض الواقع... ولو آثرت السرد لتعددت الاحتمالات وكثرة الأسئلة، وكل يرى القضية من زاوية. أما الحقيقة فستظل شاردةً كشرود العقل من تصديقها... إننا مجتمع لا يكاد يؤمن بالأخطاء ممن يلبسون ثياب الدين، بل نراهم ملائكة لايخطئون، وإن أخطأوا فقد ترجلوا من برجهم العاجي الذي نصبناه لهم، وحينها ينبغي أن يبرزوا لنا صدورهم لتنالها سهامنا، ويقدموا لنا كرامتهم لتطؤها أقلامنا وألسنتنا... وبعضهم كذلك، وأقصد «من نسميهم رجال الحسبة» لا يتورعون عن مراقبة الناس، وتفحص لباسهم، والتدقيق في وجوههم، ومحاولة استخراج المخالفات ولو عنوة. وكأنهم يفتحون الباب أمام سيول الأخطاء لتقتحم حصنهم. ولا أدري هل نسوا أم تناسوا أن زمن الفراسة انتهى، وأن التدقيق في الوجوه لم يعد مجدياً... فلا داعي أن تحاكم نيات الناس، والله قد عفى عنها... إن المتتبع بعناية لكل قضية تثار ليجد في جانب الهيئة ثغرة، وفي حديث المجتمع تضخماً... وما ذلك إلا لغياب العمل المقنن في جهاز الهيئة، وانعدام الثقافة والإيمان من المجتمع، بأن هذا الجهاز أتى ليحمي أخلاقنا، لا أن يتطاول عليها. والمفهوم الذي يجب أن يصل للمجتمع أن الهيئة جهاز لنا، يحمي أعراضنا، ويصون أخلاقنا، بعيداً من كل خطأ لا يمثل إلا فاعله. والمعلومة التي نرسلها للهيئة أننا مجتمع مسلم محافظ، الأصل فينا الصلاح والاستقامة، وما خالف ذلك فهي ممارسات شاذة لا تعمم على الجميع، وتكون حجة للتضييق والمحاسبة القاسية لكل فرد... وقفةٌ تصحيحية: عذراً يا أهل البلابل: هم لنا ونحن لهم... هم منا ونحن منهم... والهيئة لنا وليست علينا... وأتمنى ألا تخيب الأيام ظنوني... ودمتم سعداء. [email protected] hazem_algarni@