قبل حوالى سنة، وفي مقر الأممالمتحدة في نيويورك، وقفت مع أخينا عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو يتحدث مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عن عملية السلام، وكان رأي الوزير أن التطبيع مع اسرائيل لا يكلف شيئاً، وكان رأي الأمين العام انه يكلف كل شيء، وانتصرت للأخ عمرو طبعاً. معارضة التطبيع لا تزال موقف الأمين العام وموقف الدول العربية (حتى الآن) والحمد لله. وأنا أطالب هذه الدول بعدم الوقوع في فخ التطبيع، وعدم تقديم أي تنازل مهما صغر، لا من دول بمفردها أو من المجموعة العربية ككل، لأنه لن يكون هناك سلام مقابل مع بنيامين نتانياهو، أو تسيبي ليفني، وأفضّل الأول لأنه دجال متطرف معروف مفضوح، أما الثانية فمحتالة، أو حيّة رقطاء تدس السم في الدسم. هاتفت الأخ عمرو موسى أمس لمراجعة الموضوع معه وهو أبدى معارضته أي خطوات تطبيع تسبق وقف الاستيطان، وقال أن لا رغبة عند الدول العربية في تقديم تنازلات. ومعلوماتي ان الرئيس باراك أوباما طلب من الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقديم ما يشجع اسرائيل على المضي في العملية السلمية فرفض، وأنه اتصل بقادة عرب آخرين مثل الملك محمد السادس ولم يلق أي تجاوب، ما جعله يقول لرؤساء المنظمات اليهودية إن الدول العربية لم تبد أي إيجابية، وإنه لا توجد قيادة فلسطينية. طبعاً لو أن السلطة الفلسطينية قبلت الشروط الاسرائيلية التي تنسف الدولة من أساسها لأصبحت قيادة رشيدة في ظل قادة ترضى عنهم أميركا. السيد عمرو موسى توقع أن يعلن الرئيس أوباما في الأسابيع المقبلة خطاً سياسياً في ضوء الاتصالات التي أجراها وسيجريها مع أطراف النزاع. وهو استبعد أن يدعو الرئيس الأميركي الى مؤتمر دولي عن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي قبل الوصول الى اتفاق مسبق على التفاصيل حتى لا يفشل المؤتمر. الأمين العام قال أيضاً إن العرب الآن في موقف الخاسر مع بقاء الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، واستمرار الاستيطان، ولا يجوز أن نزيد على الخسارة بتنازلات من دون مقابل، بل يجب أن نصرّ على موقفنا من وقف الاستيطان وقيام الدولة الفلسطينية والانسحاب من الجولان والأراضي اللبنانية، وإذا خسرنا في النهاية نخسر بكرامة. مرة أخرى، أعارض كمواطن عربي أي تنازلات مهما صغرت، من دولة أو من مجموعة دول، وأقول إننا نتعامل مع حكومة فاشستية لا تريد السلام، ويكفي أن نقرأ رأي جماعة «السلام الآن» الإسرائيلية التي تريد وقف الاستيطان، أو الشهادات التي وزعتها جماعة «كسر (جدار) الصمت» عن اطلاق النار عشوائياً على الناس، وعدم التفريق بين رجال المقاومة المسلحين والمدنيين. السياسة الإسرائيلية اليوم ليست سلاماً بل قباباً الكترونية، فهم يريدون قبة تحمي سديروت من الصواريخ، وقبة أخرى تحمي المنشآت النووية وربما غداً قبة أخرى فوق مصفاة النفط في حيفا، وقبة فوق الكنيست، حتى تختفي اسرائيل تحت القباب ووراء جدار الفصل. لا سلام ممكناً مع هؤلاء النازيين الجدد، أو الصهيونازيين، ونتانياهو يقول إن سيادة اسرائيل على القدس «لا تهتز»، وكل عربي ومسلم يقول أن لا فلسطين من دون القدس. نتانياهو يصر على أن من حق اليهود أن يشتروا في أي مكان من القدس، إلا ان أصحاب القدس الشرعيين يُمنعون من البناء، بل يُهدم ما يبنون. ورئيس وزراء اسرائيل لا يكتفي باستمرار الاستيطان، بل تقر حكومته موازنة بمبلغ 30 مليون شيكل للاستيطان السنة المقبلة، وتوافق على بناء مئة وحدة سكنية مكان فندق شبرد في منطقة الشيخ جرّاح، أي قلب القدس العربية، وعلى بعد مئات الأمتار فقط من المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وسمعنا جميعاً زعم الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين شلومو عمار ان معارضة أميركا الاستيطان تخالف تعاليم التوراة. أنا أخالف تعاليم التوراة ولا أصدق شيئاً منها حتى وهي تقول إن اليهود وجدوا في «أرض الميعاد» المزعومة فلسطينيين قتلوهم قبل ثلاثة آلاف سنة، وعادوا الى قتلهم اليوم. هم كذبوا على الله وعباده، وزوّروا التاريخ ولا يزالون يفعلون، ولا سلام معهم، وبالتالي لا تنازلات كبيرة أو صغيرة، مفهوم؟