سارعت لينا إلى الجناح الذي طلب حضور ممرضة لإجراء فحوص روتينية لطفل، لكن عائلة الطفل طلبت منها المغادرة ما أن علمت أنها سعودية. لاحقاً فهمت لينا التي كانت حديثة عهد بمهنة التمريض أن بعض المرضى، ولا سيما المواطنين منهم لا يحبذون فكرة قيام امرأة سعودية بخدمتهم. والنظرة الدونية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها الممرضة السعودية، إذ تجد ممرضات أنفسهن أمام إساءات لفظية تصل حد التحرش في بعض الأحيان، كما أن بعضهن يصبحن عانسات، لرفض نسبة من الشباب الارتباط بهن بسبب طبيعة عملهن. وعلى رغم ذلك لا يبدو أن السعوديات العاملات في هذا المجال يستسلمن ويبتعدن عن هذا المجال، إذ يشهد عددهن تزايداً عاماً بعد عام، ووصل إلى 18911 ممرضة، بحسب آخر إحصائية حكومية. ولا تجد الممرضة لينا التي تعمل في أحد مستشفيات مدنية جدة، سبباً مقنعاً لعدم الثقة التي ينظر بها المجتمع للممرضة السعودية، على رغم أن كل الممرضات يقضين في الدراسة أعواماً تقارب الأعوام التي يقضيها كادر الأطباء. وتابعت: «غالبية أبناء المجتمع تنظر إلى الممرضة نظرة الرحمة، بدلاً من نظرة الفخر، كونها تقوم بعمل إنساني كبير». وتطرقت إلى أنها واجهت رفضاً من أهلها وأقاربها عندما اختارت تخصص التمريض، وحتى بعد مرور 4 أعوام على بدء عملها في مجال التمريض لا يزال قسم من أهلها لا يتقبلون عملها: «لدرجة أن زوجي الذي يحرجه أن يعلم الناس بحقيقة عملي، يضطر إلى الكذب على زملائه وأصدقائه، فيخبرهم أنني أعمل طبيبة». وأكدت أن نسبة كبيرة من الممرضات لا يتقدم لهن أزواج، لأن وظيفتهن تلزمهن التعامل مع الذكور، مشيرة إلى أن أكثر الأشياء التي تزعجها هو أن كثيراً من مراجعي المستشفى يرفضون أن تشرف عليهم ممرضة سعودية، ويطلبون ممرضة أجنبية، على رغم أن السعودية أفضل، بحسب رأيها. وعن التحرش بالممرضات من بعض المرضى، قالت لينا: «حيث أعمل، حدثت بعض حالات التحرش، سواءً اللفظية منها أم الجسدية من بعض المرضى، وتلوذ بعضهن بالصمت خوفاً من أن تلوكها الألسن أو أن يقع اللوم عليها في نهاية المطاف، وربما تكون هذه القضية هي السبب وراء النظرة السوداوية». وأبدت الممرضة شروق المطيري التي تعمل في أحد مستشفيات مدينة الرياض، استياءها من «النظرة الدونية» من بعض المرضى للممرضات السعوديات، وتفضيل الممرضات الأجنبيات عليهن، لكنها تحاول تبرير هذه النظرة بأن المجتمع السعودي لم يعتد بعد على وجود الممرضة السعودية، ولا يزال يرفض أن تعمل المرأة في وسط فيه ذكور. وعن طريقة تعاملها مع من يقلل من قيمة الممرضة قالت شروق: «في بداية عملي في المستشفى لم أكن أستطيع السيطرة على أعصابي، وهو ما تسبب لي بمشكلات، ومع الوقت تعودت أن أتجاهل كلمات الإساءة من المرضى التي قد تصل إلى التشكيك في حسن التربية والأخلاق، وأبلغ مدير علاقات المرضى في المستشفى ليتعامل مع الشخص المسيء وفق الأنظمة». وما يخفف على شروق معاناتها ويعطيها دافعاً للمضي في هذه المهنة، هو دعم والدها، ومؤازرته لها طوال الأعوام الماضية. وأوضحت الممرضة السعودية مرام (25 عاماً) أنها كانت متخوفة من دراسة التمريض بسبب نظرة المجتمع إلى طبيعة المهنة، ولكن بعد أن بدأت العمل، وجدت أن التمريض عمل إنساني نبيل، يحتم عليها البقاء والعطاء فيه باستمرار وخدمة هذه الفئة، التي تحتاج إلى من يمد يد العون لها، داعية المجتمع إلى الثقة بقدرات الممرضات السعوديات، ورفع مستوى الاعتماد عليهن. وقالت: «أعتبر أن خدمة مجتمعي من خلال أولئك المرضى شرف أعتز به، وليس عيباً كما ينظر إليه بعض الناس، وهذا ما ساعدني على تخطي صعوبات الاندماج والتأقلم السريع مع العمل». مطالبة بتحسين ظروف العمل طالبت الممرضة مها (23 عاماً) بتحسين ظروف عمل الممرضات، وتقديم حوافز مادية ومعنوية لهن، ولا سيما أنهن يقضين ساعات طويلة في العمل، داعية إلى توفير نظام فعّال للتعليم والتدريب على رأس العمل، موضحة أن الممرضة السعودية تتحمل أعباءً كثيرة للقيام بواجباتها العملية والإنسانية قد لا يعلم بها مراجعو المستشفى. وبحسب آخر إحصائية عن عدد الممرضات السعوديات، فإن المنطقة الشرقية تحتل المرتبة الأولى ب2885 ممرضة في مستشفيات وزارة الصحة، ثم الرياض ب2225 ممرضة، ثم جدة ب1713 ممرضة، ثم المدينةالمنورة ثم 1686 ممرضة، ثم جازان ب1388 ممرضة، ثم مكةالمكرمة ب1040 ممرضة، ثم عسير ب1170 ممرضة، ثم الأحساء ب966 ممرضة، ثم الجوف ب802 ممرضة، ثم الطائف ب787 ممرضة، ثم القصيم ب720 ممرضة، ثم تبوك ب693 ممرضة، ثم حائل ب646 ممرضة، ثم الحدود الشمالية 595 ممرضة، ثم حفر الباطن ب579 ممرضة، ثم بيشة ب315 ممرضة، ثم نجران ب270 ممرضة، ثم القريات ب276 ممرضة، ثم الباحة ب143 ممرضة، ثم القنفذة ب12 ممرضة.