الروائية سهام مرضي تتنفس بالكتابة وتقرأ بها كف الألم. صدرت لها روايتان، إحداهما «مع سبق الإصرار والترصد»، وثانيتهما «حين رحلت» تنافس على الفوز بجائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية المحلية، التي أنشأها نادي حائل الأدبي وأعلنت قائمتها الطويلة قبل أيام. ولها رواية ثالثة في الطبع.. قالت سهام في حوار مع «الحياة» إنها تعلّمت أن تحب ما تحبه لا ما يحبه الآخرون، مشيرة إلى أنه يكفي أن تكون وُلِدت امرأة، وفي زمنِ الصّحوة الخانقة؛ لتكتب. ترى أن عيب الرواية المحلية أنها ما زالت مشغولة بالهم الاجتماعي، وهذا ليس ذنبها وحدها. إلى تفاصيل الحوار: ما المصادر التي ساعدت في تكوين الروائية سهام مرضي، وكيف بدأت التفكير في كتابة رواية؟ - في الحقيقة يكفي أن أكون ولدت امرأة، وفي زمنِ الصّحوة الخانقة؛ لأكتب! هذه وحدها كافيةٌ هُنا لتبرير فعل الكتابة كانعتاقِ من قيدٍ يعضده قيد، فكانت بدايتي مع كتابة الشّعر والنّصوص المفتوحة بلا تصنيف ثم كتبت القصة القصيرة فوجدتها فقيرة جداً لتصف حجم الهمّ في داخلي وشكراً لله أنهم اخترعوا الرواية وإلا لكنت اخترعتها!. يعتمد الروائي إلى حد كبير على ذائقته الأدبية، لكن يلاحظ أن الهم الاجتماعي يشكل ضغطاً كبيراً على الروائي هنا، وهو ما يحد من استفادته من الوثائق والأحداث التاريخية في كتابته للرواية.. هل تتفقين مع هذا؟ - أتفق جداً، لكن في الواقع أنا مع الرواية التي تقربّني من إنسانيتي كعمل فني بحت، يجعلني أمسكُ روحي وأتفقدها بين سطور الكاتب، ولست مع الرواية التي تتحول إلى بحث أكاديمي، قد يكون هذا رأياً انطباعياً وقصوراً في الوعي بالروايةِ كفنّ متكامل، لكنني تعلّمت أن أحب ما أحبه لا ما يحبه الآخرون، ولذا فالمسألة من وجهة نظري ليست متعلقة بالمرحلة زمنياً، ولكنها ستبقى ما بقي كُتاب يمسكون أقلامهم من ناحية الوريدِ تماماً، من دون أن يرتدوا ربطة عنقٍ ومن دون أن يعتدلوا في جلستهم. برأيك... ما نقاط ضعف الرواية المحلية؟ - أنها ما زالت مشغولة بالهم الاجتماعي والمشكل السياسي، وهذا ليس ذنبها وحدها، إن الثقافة والأدب انعكاس طبيعي لحال المجتمع الذي يُكتب عنه وله، أريد لنا بشكلٍ ما أن تخنقنا مشكلات حلّها إنسان العالم الأول من قرون وتصالح معها وتجاوزها بقرون أخرى. إننا المسخ الذي لا يريد أن يشاهد نفسه في أية مرآة بالعالم، ويصرّ على أن فشله الذريع هو رسالة يُمكن تبليغها للحياة من داخل المقبرة!. 16 رواية تشارك وتتنافس على نيل جائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية المحلية، التي أنشأها نادي حائل الأدبي... ما مدى تفاؤلك بفوز «حين رحلت»؟ - أنا سعيدة أولاً بشرف المشاركة قبل المنافسة، لأن النادي الأدبي في حائل يعتبر العرّاب بالنسبة إلي، كونه احتضن عملي الأول وطبعه وشجعني القائمون عليه بإقامة حفلة توقيع لي في معرض الكتاب بالرياض، أما عن تفاؤلي فإنني أتمنى التوفيق لكل الروايات المشاركة، لكنني لن أدعي التواضع وسأتمنى الفوز لروايتي أنا. تعتبر الرواية الفن الأكثر تأثيراً وتعبيراً عن تجليات الكتابة، ويقال إنها هي الفن الأكثر ملاءمة للقرن الحالي. أين تكمن الصعوبة في كتابة الرواية؟ - في رأيي الصعوبة الأكثر عمقاً هي في خروج الكاتب - ولا سيما إذا كان في بدايته مثلي - من ذاتيته، ومن فرض رؤاه وانطباعاته وذوقه على أبطاله، إنها عملية تتم بشكل لا واعٍ، ووحده الروائي المحترف ينتصر عليها، إلى جانب تحديات الترابط السّردي وحذره الدائم من الاستطراد الوعظي أو المباشر وقطع الرّتم الذي أدخل القارئ فيه، تحتاج دائماً إلى صاحب نفَس طويل في تناول الحكاية، وإلى ذكاء في طريقة هذا التناول بين الإيغال في التفاصيل وبين الإبقاء على حسّ الدهشةِ حاضراً طوال النص. تحتفي روايتاك «مع سبق الإصرار والترصد» و«حين رحلت» بالحب، والرحيل. وبدت المرأة لديكِ فيهما سلبية وتعيسة وتُفكر بالغريزة أكثر من غيرها... لماذا؟ - المرأة لا تبدو سلبية وتعيسة إنها في الحقيقةِ كذلك، وبالتالي لن تكون الرواية سوى إحدى تجليّات هذا الواقع الذي وجَدت نفسها فيه، من المبكر جداً الحديثُ عن بطلةٍ ترقصُ بين الحقول وتلقي خطبةً عن موسيقى موزارت في محفلٍ ما، وتقيم حملة تطوعيّة للتبرّع بالمال للنساءِ البائسات في مدغشقر!، أما عن كونها تفكّر بالغريزة فأنا لا اعتقد بصحّة هذا ولطالما ناضلت البطلتين في العملين من أجل إثبات روحيهما قبل جسديهما في مجتمع ذكوري غريزي بالكامل. أدب المرأة. الأدب النسوي... هل يوجد أدب نسائي، وهل هناك موضة كتابة روائية نسائية في السعودية؟ - ما زال الأدب عموماً في العالم العربي متأخراً، ولذا فما زال هُناك أدب يصنف على أنه نسائي، وإن كنت ضد هذا التصنيف، فالأدب الراقي الخلاّق المؤثر يجب ألا يُنظر إلى جنس خالقه ولا انتماءاته الأخرى، لأن هذا تحجيم لإنسانية هذا الفن وعنصريّة يجب أن يكون الأدب والفكر، ومن باب أولى أوّل من يتخلّص منها، أما عن موضة الكتابة النسوية للرواية محلياً فهي قد تجاوزت مرحلة الموضة لتأخذ الحيّز الطبيعي من امرأة ما بعد الحداثة وامرأة العالم التقني، التي وإن كانت ما تزال تواجه صعوبة في وجودها الكامل، إلا أنّ قلمها لم يعد بالإمكان إسكاته ولا تقزيمه. هل هناك رواية ثالثة، وعماذا تتحدث؟ - نعم هُناك رواية ثالثة، انتهيت من معظمها تقريباً، تتحدّث عن شأن انسانيّ بحت وبطلٍ وجوديّ بالكامل، وهذه المرّة جرّبت أن أتبنى وجدان رجل لأنني أريد تحدي نفسي، وتجربة كل أنواع الكتابة وتقنيات السرد، وهذه إحداها. من يستوقفك أكثر من الروائيين، عربياً وعالمياً؟ - تستوقفني الرواية التي تُحدث في داخلي جَلبةً وتأسر معها شيئاً وتسجله باسمها، لا أهتم لاسم الكاتب بقدر ما أهتم للمادة التي كتبها، ولا أحفل كثيراً بكون الكاتب رمزاً أو صعلوكاً، أقرأ كل شيء وأي شيء ثم أطلق حكمي الذاتي الذي لا يكون إلا في نهاية العمل.