ما شاهدناه حتى الآن من الأعمال الدرامية المدبلجة يشير إلى فوضى عارمة: تبدأ المسألة من طول الحلقات إلى الحد الذي يستحيل على الحكاية أن تتمكن من حمله من دون أن تمتلئ بالفتوق والثغرات. في هذه الأعمال - حتى من امتلكت منها حكايات مهمة - يحتال السيناريو فيطيل التفاصيل ويكثر منها، بل يدفع كل تفصيل للتناسل إلى تفاصيل أخرى تكاد لا تنتهي، ولا تصل إلى مصائر درامية أحياناً. كدت أسميها دراما «ربات البيوت»، لكن هذا النوع تبثه الشاشات الفضائية عادة في ساعات الصباح، والأهم أنها تظلُ متماسكة درامياً وهي المنتجة في بلاد الدراما الولاياتالمتحدة، وها هو نموذجها التركي يقع في ثغرات كثيرة: مسلسل «فاطمة» كان أحد أكثر هذه الأعمال تماسكاً وجدّية، خصوصاً أنه يعرض بجرأة واحدة من القضايا المهمة والصعبة، ومع ذلك جاءت «شروطه الإنتاجية»، ومنها بخاصة الإطالة، لتوقعه في الخلل ذاته الذي وقعت وتقع فيه الأعمال الأخرى. ذلك يدعونا الى التساؤل عن معنى دبلجة هذا النوع من الدراما الذي صارت له مكانة خاصة عند القنوات الفضائية والمشاهدين معاً. تبدو المشاهدة في حال كهذه نوعاً من تزجية الوقت ليس إلا، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا أنها تسلية تذهب للنسيان على نحو بالغ السرعة بسبب افتقارها إلى الأسس الأهم في أية دراما فنية ناجحة، وأعني ملامسة قضايا المواطن – المشاهد بأسلوب فني راق وجميل. في السياق ذاته نشير إلى اختلاط تلك الأعمال في ذهن المشاهد إلى حد يوقعه في الضياع أحياناً كثيرة فلا يعود يعرف إسم العمل الذي يشاهده، فنجاح واحد منها دفع شركات الإنتاج لدبلجة أعمال أخرى للممثل التركي ذاته، ثم اضطروا لتكليف الممثل العربي الذي قدّم صوته في المسلسل الأول، وهكذا ذهبوا عند الدعاية للعمل الجديد إلى الحديث عنه باسمه العربي في العمل الأول. هي أقرب إلى سيرك بكل ما تعنيه الكلمة، والأخطر في الأمر كله هو أن يحدث كلُ هذا من دون مبرر حقيقي يمكن أن يسوّغ استيراد هذه الأعمال، والإنفاق على دبلجتها، اللهم الا السعي إلى ربح سهل وسريع.