يبدو المكان بوصفه فضاء درامياً، عاملاً شديد الأهمية في ما بات يعرف بدراما البيئة، السورية حالياً، والمصرية عادة. ذلك ما يرى كثر من النقاد والمشاهدين أنه يقف وراء النجاح اللافت لمسلسل «باب الحارة» على سبيل المثال وحسب، أي جاذبية البيئة الشامية ورغبة المشاهدين في استكشافها باعتبارها مجتمعاً بكراً لم تتوغل في أزقته الدراما بصورة كافية. مع ذلك جاءت الدراما التركية المدبلجة لتطرح سؤال البيئة مجدداً: هل نجحت تلك المسلسلات بسبب دبلجتها إلى اللغة الشامية؟ ليس هذا وحسب، بل إن المشاهد لهذه المسلسلات ستستدرجه ملامح الشخصيات وثيابهم وبعض عاداتهم، بما يمنحه الإحساس بمحليتها، أي بما يعطيه الشعور بأنه يشاهد مكانه الخاص وبيئته الخاصة. هي «توابل» جديدة «اكتشفها» مروّجوها كي تأتي للمشاهد في حلّة تنسجم مع مشاهداته اليومية لمحيطه المحلي. كل هذا إشارات أكيدة على قوة حضور البيئة في الدراما، وما لهذا الحضور من تشابك، وهي مسألة تفرض ذاتها في زحام الأعمال التلفزيونية التي تأخذ طابعاً تهويمياً بعيداً من مكانها وحتى من زمانها أيضاً. هي كلها علامات على ما يقارب أزمة موضوعات تعيشها الدراما العربية منذ فترة ليست بالقصيرة، وهي أزمة تعيدنا مجدداً إلى أسئلة تتعلّق بالعلاقة بين الدراما والواقع الذي يعيشه الناس، ونوع المشكلات التي يعانونها. لا نريد هنا الدعوة إلى دراما خطابية ومباشرة، بل دراما ترى الحياة الحقيقية وتعرف كيف تلتقط لنفسها دوراً هو من صميم عملها، كي تعيده الى المشاهد في صورة أخرى يقبلها ويقبل عليها بشغف في زمن باتت فيه الدراما التلفزيونية مرآة، ولكننا نريدها مرآة غير صامتة، بل قادرة على التحرّك وتحريك وعي مشاهديها، بل تحفيز ذلك الوعي كي ينتبهوا للحياة من حولهم. مهمّة الدراما تتجاوز بالتأكيد تزجية وقت المشاهدين على أهمية عنصر التسلية والتشويق، وتطمح الى مناوشة العقل والوعي ومحاولة الارتقاء بهما لمواكبة العصر وما فيه من تطورات. نقول ذلك ونحن نشاهد كمّاً لا يعد من الأعمال الدرامية الباهتة التي تفتقد إلى صلات حقيقية مع المشاهدين العرب، وتكتفي من فن الدراما بالحكاية التي سيسردها على أسماعهم الممثلون.