ليس مستهجناً أن ترى الدراما التركية، بحلقاتها الطويلة، وبثرثرتها المملة، مدبلجة إلى العربية في الفضائيات العربية. لكن أليس مضحكاً أن تتابع رائعة كوبولا «العرّاب»، مثلاً، مدبلجة إلى العامية الشامية؟ كيف للمرء أن يستسيغ هذه الدعابة السمجة، وهل في وسع أحد، أياً كان، أن يحل محل دون كوروليوني (مارلون براندو) مثلاً؟ أو أن يتمكن من تقليد صوته الرائع، والذي قيل إن جهازاً خاصاً قد وضع في فمه حتى يأتي صوته في الحوارات بتلك النبرة المميزة، وبذلك الإيقاع الهادئ، الهادر والوقور، الذي يختزل، في حد ذاته، جانباً واسعاً من عالم المافيا الذي يتناوله هذا الفيلم الذي يعود تاريخ إنتاجه إلى مطلع سبعينات القرن العشرين. لا شك في أن النيات الطيبة هي التي دفعت القائمين على قناة «إم بي سي ماكس» للإقدام على هذه الخطوة، ذلك أن ثمة نسبة أمية عالية في البلاد العربية، وهذه النسبة تعجز، بالطبع، عن قراءة الترجمة على الشاشة، ناهيك عن جهلها باللغة الانكليزية، وبالتالي فإن هذا الإجراء يستهدف أولئك الأميين المحرومين من متعة متابعة الأفلام الأجنبية، غير أن هذه الدبلجة تفقد الفيلم الكثير... ما يعني أن عدم مشاهدتها من الأساس أفضل من رؤيتها ممسوخة عبر الدبلجة، خصوصاً ان الأفلام المختارة تعد من العلامات البارزة في تاريخ الفن السابع. وإذا عثر، مثلاً، على مؤدٍ يملك صوتاً يقترب من صوت براندو أو آل باتشينو أو انطوني هوبكنز أو براد بيت أو انجلينا جولي، فكيف يمكن التغلب على مفارقة جوهرية تتمثل، هنا، في طبيعة اللغة وحمولتها النفسية؛ الذهنية، ودلالاتها الثقافية والفكرية؟ كيف للمشاهد، مثلاً، أن يصغي إلى حوارات عصابات المافيا في «العراب» باللهجة الشامية الناعمة؟ وكيف له أن يتقبل تاريخاً ذا خصوصية يتجسد أمام عينيه من خلال مفردات تتعارض مع الأحداث المصورة؟ طبعاً هذه الدبلجة ليست جديدة، ففضلاً عن المسلسلات التركية والمكسيكية، ثمة أفلام كثيرة دبلجت إلى العربية، لكن غالبيتها كانت أفلاماً كوميدية خفيفة أو ميلودراما عاطفية سهلة، أما السعي إلى دبلجة أفلام ذات قيمة فنية، فإن ذلك يأتي بنتائج عكسية. وهذا يذكرنا بالترجمات الأدبية، ففي حين تكون الترجمة في الأعمال النثرية البسيطة مقبولة، لكنها تغدو مجازفة في مجال الشعر، ذلك أن هذا الفن الأخير يعتمد، أساساً، على البلاغة والمجاز والتكثيف والاختزال، وكل ذلك يتحول، عبر الترجمة، إلى كوميديا طريفة، ومن هنا وُصِف المترجم ب «الخائن». ولا نبالغ، هنا، إذ نقول ان دبلجة بعض الأفلام تعد نوعاً من الخيانة، وهي «خيانة مشروعة» تقزّم روائع سينمائية ما زال بعض حواراتها، وبأصوات ممثليها الأساسيين، قابعاً في الذاكرة كجزء رئيس من بنية الفيلم وجماليته.