الجبل الأسود في الريث.. طبيعة خلابة جعلته وجهة للسياح    الأمم المتحدة: الوضع في شمال غزة «مروع»    أمريكا تعلن عن مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 425 مليون دولار    غدًا .. انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    ضبط مواطن في الباحة لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    الغامدي يقدم نسخة من أوراق اعتماده سفيرًا فوق العادة لدى الكاميرون    الذكاء الاصطناعي.. فرصة لتطوير الإعلام أم تحدٍّ جديد ؟    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل سفارة جمهورية كوريا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    حضورا جماهيريا يشهد انطلاق بطولة حائل الدولية لجمال الخيل    المملكة تحقق المرتبة 12 عالميًا في إنفاق السياح الدوليين للعام 2023    مجلس السلامة والصحة المهنية يؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول ظروف العمل بالمملكة    ترمب يغازل الأصوات العربية في «ديربورن»    الأسواق الآسيوية تنخفض مع تداولات حذرة وانتظار بيانات اقتصادية امريكية    شباك النصر ضحية «التورنيدو»    لبنان ينفي طلب أمريكا وقف النار من جانب واحد    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    نزاهة تحقق مع 322 متهما في قضايا إدارية وجنائية    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    وزير الإعلام يعلن عن إقامة ملتقى صناع التأثير "ImpaQ" ديسمبر المقبل    ما الأفضل للتحكم بالسكري    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    غياب ويسلي وأنجيلو عن ديربي الرياض    بلان يعلق بشأن موعد عودة بنزيما    رُفعت الجلسة !    مدير متوسطة حي الروضة بجازان يكرم الطلاب المشاركين في معرض إبداع جازان 2025    إشارات المتسولين !    محافظ صامطة المكلف يستقبل وفد جمعية التنمية الأسرية    عن نشر الكتاب: شؤون وشجون    السجن 158 عاماً لطبيب أمريكي اعتدى على 11 امرأة    نقص الصوديوم في الدم يزداد مع ارتفاع الحرارة    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    شكرًا لجمعيات حفظ النعم    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    محمد البيطار.. العالم المُربي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    الأنساق التاريخية والثقافية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    لماذا مشاركة النساء لم تجعل العالم أفضل ؟    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    المملكة.. أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم    رسالة رونالدو..    النصر يلاحق العضو «المسيء» قانونياً    الرديء يطرد الجيد... دوماً    وبس والله هذا اللي صار.. !    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    أعمال الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين تواصل أعمالها اليوم بالرياض    لا تكذب ولا تتجمّل!    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يعرفون وطناً غير السعودية... لكنها القوانين!
نشر في الحياة يوم 03 - 05 - 2012

ولدت مريم (30 سنة) في الرياض وعاشت فيها، الممرضة الفلسطينية تخرجت من مدارس التعليم العام، وحصلت على دبلوم تمريض من القاهرة. ومريم لا تعرف غير هذا الوطن وطناً لها، تقول: «لم أعرف أني لاجئة على أراضي المملكة، حتى أصبحت في المرحلة المتوسطة». وتوضح: «أمضى والدي في المملكة حوالى 50 سنة بعد نكبة فلسطين ونزوح كثيرين من اهلها الى الدول العربية، لا أعرف وطني ولا أسرتي وعشيرتي. وقد رزقت وطناً وعشيرة وصديقات، عشت بين أهلي وجيراني، وكوّنت أسرتي هنا». وتضيف: «أنجبت أبنائي هنا، ولكنني لا أزال مصنفة كالعمال الوافدين، عليّ تجديد إقامتي وأن يكون لي كفيل، ما يُشعرني بالتهديد وعدم الأمان». وتخلص الى القول: «أتمنى لو يصار الى تسوية هذا الوضع، فهذا وطننا الذي جمع شتاتنا، فذاكرتنا خالية من أي خريطة سوى خريطة هذا الوطن».
نظراء ونظيرات مريم كثر، ممّن لا يعرفون وطناً سوى السعودية، وولاؤهم وذكرياتهم ترتبط مباشرة بأرضها، ما يحتّم إيجاد طريقة حلّ للتعامل معهم. ووفقاً للمثل الشعبي «الغربة كربة، والألم فيها يصل للركبة»، ترتفع أصوات كثيرين في المملكة للقول ب»أهمية الاستغناء عن العمالة الوافدة، بهدف تطبيق السعودة، سواء في الجانب الرسمي أم الشعبي». إلاّ أن فئة ثانية ترى ضرورة أن تكون النظرة والتعامل مع الجنسيات العربية مختلفة وخصوصاً من استوطن منهم منذ عشرات السنين، وهجِّروا من أوطانهم قسراً، أو ممّن حضروا منذ سنوات وشهدوا بداية التنمية في المملكة، وشاركوا في البناء والتعمير، وكانوا ممّن خرّجوا الأجيال الأولى من المتعلمين.
أخذ الحديث عن العمالة الوافدة، أخيراً حيّزاً مختلفاً، في السعودية حيث يشكل الوافدون وأسرهم حوالى 30 في المئة من عدد سكان المملكة، ويرى كثيرون أنه يجب التعامل مع الوافدين العرب لأسباب سياسية كالفلسطينيين وبعض الجنسيات الأخرى التي عاشت سنوات طويلة وكونت أقليات شبه مهاجرة، استثناءات معينة تختلف عن التعامل مع العمالة المستقدمة بعقود عمل.
ويرون أن العرب الموجودين على الأراضي السعودية لا يشكلون خطورة ك «العمالة الأجنبية» القادمة من شرق أسيا مثلاً، معتبرين أن وجودهم لا يشكل تهديداً للهوية المحلية، أو للطابع الديموغرافي والسياسي، أو تأثيراً سلبياً على الطبيعة الاجتماعية والثقافية للوطن».
ولا تزال القوانين غير مرضية إلى حدّ ما تجاه هذه الفئة، التي يمكن اعتبارها الأقرب إلى المواطنين. وبالتالي لا يشكل تزايد عددهم مشكلة، فهم معنيون بالحفاظ على أمن البلاد ومصالحها وقوانينها، وهم الأكثر تفاعلاً مع خصوصيتها، لا سيما إذا منحوا حقّ الإقامة الطويلة، أو تمّ تجنيسهم.
هذه التداعيات التي لم يتم تقنينها أو استثناؤها، جعلت هذه الفئات تعاني العديد من الصعوبات الحياتية، وبخاصة في ما يتعلق بالتنظيمات اللوجستية لتدبير أمور الحياة. ويتسبب هذا الأمر غالباً في وقوع كثيرين في مشكلات مادية وتحمّلهم أعباء لا يستطيعون الوفاء بها، إمّا لعدم وجود عقود للعمل أو تأمين صحي. كما أنهم يواجهون نوعاً من الشعور بالتهديد، وعدم الأمان على المستقبل إذ لا يمكن التنبوء بما يستجد عليهم من قوانين قد لا تنصفهم.
وترى الدكتورة نورة الصويان، أستاذة مساعدة في علم الاجتماع، أن «بالإمكان اختصار معاناة هذه الفئة بكلمة واحدة تحمل الكثير من التداعيات التي يعاني منها أشقاؤنا المقيمون منذ عقود طويلة، وهي الاغتراب، اذ على رغم أننا وإياهم نتشاطر اللغة والديانة، ولعبوا دوراً بارزاً في النهضة، لم يحصلوا على امتيازات معينة، ولم يتم تنظيم أمور حياتهم». وتضيف: «ما زالوا مهمشين ولم يتم إعفاؤهم من نظام الإقامة، وبالتالي يسيطر عليهم إحساس بالغربة وشعور بعدم الأمان النفسي بسبب الخوف من المستقبل المجهول». وتوضح: «الواقع يخبرنا بأنهم جزء من المجتمع وانتماؤهم لأرضنا، ولكنّهم مصنّفون وافدين موقتين، ليبقى الاغتراب النفسي حاجزاً بينهم وبين التفاعل». وتشير إلى أمر آخر يواجهه المقيمون من العرب، «وهو الحشد النفسي الإعلامي ضدهم، الذي يكرّس نظرة غير سليمة من خلال وصمهم بالقادمين لسرقة خيرات الوطن والاستيلاء على مقدراته، واحتلال وظائف المواطنين»، موضحة أن هذه الوصمة لها «أثر نفسي واجتماعي على المقيمين وعلى أسرهم، وتقلّل من شعورهم بالانتماء، إذ لم تلحظ القوانين والتنظيمات أي تخصيص لهذه الفئة ولم تستثنِ أوضاعهم عن العمالة المستقدمة الأخرى».
وتعتزم السعودية وضع لائحة جديدة لنظام كفالة العمالة الوافدة خلال الأشهر المقبلة. ويتوقع أن تلغي نظام الكفيل التقليدي وتتضمن إنشاء هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية تتبع لوزارة العمل، للإشراف على أوضاع العمالة الوافدة. وستكون اللائحة الجديدة بديلاً في الغالب من نظام الكفيل. وبحسب تقديرات وزارة العمل فإن أعداد الوافدين في المملكة حوالى ثمانية ملايين ونصف المليون، ما يقارب ستة ملايين منهم يعملون في القطاع الخاص. وأظهرت تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي أن حجم تحويلات العاملين الأجانب في السعودية إلى الخارج بلغ 194 بليون دولار خلال الفترة مابين عامي 2000-2010 ، وبلغت خلال عام 2011 حوالى 67،26 مليون دولار.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذه التحويلات تضرّ إلى حدّ كبير باقتصاد البلاد، فيما يرى آخرون ان الوافدين يمثلون تهديداً للأمن الاجتماعي، ويحدثون خللاً في التركيبة الثقافية.
لا إحصاءات دقيقة عن المقيمين العرب الوافدين الى السعودية منذ عقود طويلة، أو عن المهن والوظائف التي يشغلونها، إلاّ أن من المتعارف عليه اجتماعياً أنهم يمثلون عمالة ماهرة، وذات خبرة وهم الأقرب اجتماعياً من أي فئات أخرى، ولا يزال كثيرون منهم يقومون بوظائف التدريس في التعليم العام أو العالي، إضافة إلى المهن الحرفية كالبناء وأعمال النجارة والكهرباء والميكانيك.
وترى الدكتورة الصويان أن «على الجهات الرسمية أن تُشكّل لجاناً خاصة لدراسة أوضاع المقيمين من فترة طويلة، وأن يتم تبني قضيتهم بمعزل عن قضايا العمالة الوافدة من الجنسيات الأخرى، وأن يحصلوا على استثناءات خاصة إما بالتجنيس أو عبر منحهم إقامة دائمة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.