مع بدء أول أيام موسم «كنة الصيف» متقلب المزاج المعروف بالمفاجآت الطقسية التي لاتستقر على حال، انطلق الماراثون السنوي الشهير والمسابقة المثيرة التي لا تحكمها قوانين سوى عزف الرصاص، وقطع الفيافي القاحلة البعيدة والتي رُسمت بدقة على خريطة منذ عشرات السنين وعرف أهالي المناطق الواقعة شمال الطائف حدودها وتضاريسها وسبر أغوارها. في مثل هذه الأيام يشعر سكان شمال شرقي الطائف بالنشوة، ببداية مهرجانهم الخاص الذي يضاهي مهرجان الورد في المحافظة الأم التي تحتضن قراهم ومراكزهم، بيد أن الفرق هو أن مهرجان الورد يفوح منه ريح العبير والزهور التي تسر الناظرين، فيما تفوح من مهرجان صيد الضبان رائحة البارود، ويتخلله المنافسة والتحدي على حصد رؤوس أينعت وحان قطافها، خرجت من جحورها بفعل شدة الحرارة والتقلبات الجوية المثيرة التي رصدت تحركاتها الفطرة والتجربة عند الأهالي. وفي مهرجان «الصيد منافع للناس»، إلا أن خسائره ستصيب محال «الجزارة»، وباعة لحوم الأغنام والإبل، بعد أن عزف شبان المنطقة عن شراء تلك اللحوم واستبدلوا بها لحوم الضبان ذات الطعم اللذيذ بحسب وصف الكثيرين. وتفنن أهالي المنطقة هذا العام في طبخ «الضبان»، بعد أن كانت تلقى على الحطب حتى تستوي، ثم تُقدم للأكل على قنينة ضخمة من «المشروبات الغازية»، ولا تكاد تمضي ليلة، إلا وتكون لحوم الضبان هي الوجبة الرئيسة يتناولها الأطفال قبل الكبار. أما موسم «الكنة» التي دقت عقارب ساعته يوم أمس، فهو موعد موسم صيد الضبان، في كل مكان يترقب شبان المنطقة على أحر من الجمر انقضاء أيام الدوام الرسمي، وما إن تسقط ورقة يوم الأربعاء من غصن أيام الأسبوع، حتى تعدو المركبات مسرعاتٍ نحو الصحاري والبراري، ولا يعود أصحابها إلا بصيد وفير تغص به ثلاجاتهم، وتكون وجبة كافية طيلة أيام الأسبوع حتى تنقضي، وتبدأ الرحلة من جديد في أماكن أخرى يحددها الرواة ويتكتم عن إحداثياتها الكثير حتى يغنموا بالصيد فيها وحدهم. في محال الجزارة، يفقد «الحاشي» رواجه وإقبال المستهلكين عليه، بحسب اللاحم حسين، الذي أكد أن بيعه ينخفض إلى مستويات متدنية، بسبب موسم صيد الضبان، «ولا وجوهاً اعتدنا على رؤيتها كل يوم، ففي هذه الأيام يفضلون لحم الضبان على لحم الحاشي». ويضيف: «غالبية محال بيع اللحوم تمر بالمعاناة نفسها، ولكن ندرك أن الحال موقتة، قد تستمر إلى شهر أو شهر ونصف شهر، ومن ثم ينتعش البيع من جديد». سعيد الغامدي ومسفر سعد وصالح العتيبي من محترفي صيد الضبان، وهم يعتبرونها هواية تجلب لهم نوعاً من المغامرة والتحدي والتشويق، يتجهون يومياً إلى البراري والقفار متمنطقين أسلحتهم المتطورة، وما يحتاجونه في صحراء قاحلة من ماء وطعام، ولا يمكنهم العودة إلى نقطة بداية الانطلاق حتى يتوافر لديهم صيد وفير. يقول صالح الغامدي: «ما نلاقيه من تعبٍ ومشقة وجهد كبير يزول مع لذة ونكهة لحم الضب الذي لا يضاهيه لحم، نحن نقطع مسافات بعيدة للبحث عنها، والبحث عن الرصاص الذي بدأ سماسرته في رفع أسعاره، نظراً لكثرة الطلب عليه وندرته في هذا الوقت».