ما من زوج إلا وهو ينشد راحته واستقرار بيته، حيناً بالتنازل عن بعض الحقوق، وحيناً آخر بمحاولة استصلاح ما طرأ من مشكلات، غير أنه يجب التفريق بين أمرين يخلط بينهما كثيرٌ من الأزواج، وهما الإصلاح والمحاسبة، فالإصلاح في شأن العلاقة الزوجية طريقٌ ليس بالضرورة أن يمر بالمحاسبة والمساءلة والتحقيق والتدقيق، كما أن المحاسبةَ طريقٌ ليس بالضرورة أن يحقق الإصلاح. إن إصلاح النفس لا يتأتى إلا بمحاسبتها ونقدها، وقد يقتضي الأمر تبكيتها ولومها؛ ولكن الذي يصلح للحياة الزوجية إنما هو محاولةُ الإصلاح، وليس المحاسبة بالضرورة، فشأن المحاسبة أصلح ما يكون في استيفاء الحقوق التي قد تضيع بين الشركاء والمتبايعِين ما لم يتحاسبوا بينهم. وبمقدور الزوج أن يصلح من حال زوجته من غير أن يضطر إلى التدقيق والإحصاءِ عليها والمحاسبة المباشرة، ومن تطبعت على خطأ فإن إصلاح شأنها لا يتأتى في يوم وليلة، ومهاد ذلك الصبر والأناة والتجمل؛ كما قال عمر: وجدنا خيرَ عيشنا بالصبر. وإذا كان الرجل يصبر في تربية ولده وتعليمه، فلماذا لا يصبر صبره ذلك مع زوجه؟ فإن صدق النية في الإصلاح والاستبقاء تستدعي ذلك وأكثرَ منه. وقبل أن يسأل الزوج الذي له، فعليه أن يؤدي الذي عليه، والذي على الزوج هو أن يعاشر زوجه بالمعروف، فيحسن عشرتها ويؤدي لها حقوقها المعنوية والمادية، من حيث العاطفة وحسن المعاملة والنفقة، وقد تسيء المرأة وتقصِّر ولا تبالي في حق من حقوق الزوج من قبيل معاملته بالمثل، فكيف يُستصلح منها هذا التقصير والزوجُ ما يزال على تقصيره وعدم مبالاته؟ إن من أهم مقومات إصلاح الزوجات واستصلاح البيوت تفهّمَ طبيعةِ المرأة، فللمرأة طبيعتها التي توافق وظيفتها وميولها العاطفية، كما أن للرجل طبيعتَه التي توافق وظيفته. ومن وصايا رسولنا عليه الصلاة والسلام قوله : «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَه،ُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» من المؤسف أن كثيراً من الأزواج يأخذون من الحديث السابق وسطه وينسون أوله وآخره، يحاولون أن يجعلوا من الحديث شماتةً وتعييراً للمرأة، مع أن النبي قد بدأ الحديث بالوصية بالنساء وختمه بها كذلك. إن هذه الحقيقة تستوجب أن يكون مبنى الإصلاح على المقاربة وليس التسديد التام للخلل. فمهما حاول من إصلاح عِوج زوجته فسيظل فيها منه قدرٌ يجب التسليم به واحتماله؛ حتى تستقيم الحياة، وليؤخذ الاصلاح على أنه نسبيٌ وليس تاماً؛ ولذا أرشد النبيُ الأزواج إذا رأوا من زوجاتهم ما يسوء أن يتذكروا ما فيهن من محاسن الأخلاق، فقال: «لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً أي لا يبغضها بغضاً مطلقاً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». * أكاديمي في الشريعة. [email protected]