لا يوجد في أدبيات الإسلاميين أو خطابهم –عموماً- ما يشير إلى رفضهم الحوار مع الغرب، إلا أن الحوار بحد ذاته لا يعني تلقي التعليمات وقبول التهديدات الصريحة أو الضمنية أو عقد صفقات تضر بمصالح الأمة، والحوار أيضاً لا يعني أن الصراع الذي بادر الغرب إلى إشعاله وتغذيته قد انتهى وانقلب إلى صداقة أو شراكة، والدليل أن حركة «طالبان» ،على سبيل المثال، تحاور الأميركيين سرّاً وعلانية، إلا أن طاولة الحوار والتفاوض ساخنة، فما زال مقاتلو الحركة يقارعون قوات التحالف بكل تصميم . لكن المهم هو أن قطاعات شعبية بدأت تتساءل عن جدوى هذه الحوارات وطبيعتها، وهذا من حقها، كونها هي من انتخب الإسلاميين ودعمهم. بعيد الثورات العربية جرت حوارات ولقاءات رسمية وغير رسمية بين قيادات إسلامية سياسة وفكرية وأطراف من الغرب، لا سيما من الولاياتالمتحدة، على اعتبار أن الإسلاميين هم القوة ذات الشعبية الكبيرة، أو الأكبر في الشارع العربي، وهم المرشحون لتسلم مقاليد السلطة عبر الانتخابات، وهم الذين كانوا قد لاقوا العنت الشديد من الأنظمة البائدة بتشجيع ودعم من الغرب الذي كانت الأنظمة تطرح نفسها كحامية لمصالحه من خطر التيارات الإسلامية. ولا بد من وضع بعض الملاحظات على تلك اللقاءات: 1) هذه اللقاءات جاءت بعد أن عجز الغرب عن استئصال الحركات الإسلامية، مع أنه رصد لهذا الأمر ميزانيات ضخمة، واستنزفته الحرب والمواجهة في غير مكان في المنطقة، وبدأت ظواهر التراجع تظهر على مجمل مشروعه، فقبل الحوار على مضض، ولكن عقلية الهيمنة لم تغادر طريقة تفكيره. 2) يرى الأميركيون أن إسرائيل وجدت لتبقى ولا بد من الاعتراف الصريح بها، وهذا يعود الى تأثير اللوبي اليهودي أساساً والعقلية الاستعمارية الغربية. 3) بناء على ذلك، يجب على الإسلاميين نبذ المقاومة (الإرهاب بمفهومهم) بمفاهيمها كافة واللجوء إلى التفاوض مع الكيان العبري لحل النزاع الذي يعتبرونه سياسياً لا وجودياً. 4) يخطئ بعض الإسلاميين حين يظنون أن الغربيين يكترثون ببعض المظاهر أو مسألة تطبيق الشريعة، خصوصاً الحدود والقصاص أو قضية السماح ببيع الخمور أو غير ذلك، فيسارعون الى طمأنة الغرب أو محاولة استرضائه ولو مرحلياً. ربما تهم هذه الأمور الأوروبيين، الذين لهم تأثير محدود نسبياً، إلا أن ما يهم أميركا أساساً، هو تأمين إسرائيل وضمان بقائها قوة لا أعداء أقوياء لها في المنطقة، وضمان مصالحهم الاقتصادية كالنفط. ويجب على الإسلاميين، بناءً على ما تقدم، ألا يغفلوا عن هذه الحقائق، وألا يغيب عن أذهانهم ولو للحظة، أن نصيباً كبيراً من شعبيتهم حصلوا عليه لأنهم رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيو-أميركي وليس فقط بسبب تدينهم، بل إن كثيرين من غير الملتزمين دينياً وقفوا وسيقفون مع الإسلاميين طالما هم في حالة تصدي لمشاريع الهيمنة الغربية. منذ زمن بعيد ينقسم الغرب في التعاطي مع الإسلاميين، سواء بين دوله أو بين دوائر صنع القرار في كل دولة، لكن تبين أن اللوبي الصهيوني هو صاحب الكلمة النهائية، وبناء عليه تجب رؤية الأمور بمنظار الواقعية وعدم الغرق في الوهم، فالقضية الفلسطينية هي حجر الأساس في الموضوع ولا يمكن الغرب أن يرضى عن الإسلاميين إلا إذا تعاطوا مع إسرائيل الطريقة التي تعاطت معها النظم السابقة ذاتها، أو باستخذاء أكبر، حتى لو قالوا بأن أولويتهم هي الشؤون الداخلية لدولهم، وهذا يفترض أنه محال. ولكن صدرت بعض التصريحات والمواقف من إسلاميين هنا وهناك حول مستقبل العلاقة مع إسرائيل، أرى أنها مواقف ضررها أكبر من نفعها، فهي من ناحية لن تقنع الغرب، الذي يراها مجرد «تقية» وتكتيك مرحلي ومحاولة لامتصاص قلقه وتوجساته، مع أنه إعلامياً يبرز هذه المواقف ويمتدحها، ومن ناحية أخرى هذه المواقف مسيئة للغاية لمصداقية الإسلاميين وتاريخهم المشهود في الوقوف ضد المشروع الصهيوني، فوجب إعادة النظر في ما يجب أن يقال للغربيين عن إسرائيل. لا شك في ان الإسلاميين في حواراتهم مع الغرب لم ولن يوقّعوا شيكات على بياض، لكن الأمر زاد عن حدود المعادلة الدولية المتغيرة، ولم يراع بعضهم أن الشعوب قررت التحرر مهما بلغت التضحيات، فمن حق الشعوب على الإسلاميين أن يكونوا على قدر المسؤولية التاريخية، وألاّ يخذلوها وألا يحسبوا أن الأمر مجرد عواطف عابرة وأن الشعوب ستتخلى عنهم إذا قرر الغرب العودة إلى محاولات إقصائهم، فالغرب ليس هو من أعطاهم الشرعية زمن المحن والتهميش والقمع، التي لم تفتّ من عضدهم، وبالتالي ليس هو من سيمنحهم الشرعية بعد الثورات.