منظر الجنود الأمريكيين وهم يمتهنون جثث القتلى الأفغان مقزّز ومنفّر، وهو دليل على الغطرسة الأمريكية التي تملأ أذهان جنود الجيش باعتبارهم الأعلى من كل البشر. هو امتهان للكرامة الإنسانية بأبشع صورها، يذكر بالطريقة الهمجية لجنود أمريكيين وهم يعذبون معتقلين عراقيين في سجن أبو غريب، ويعيد إلى الأذهان الطرق البشعة لتعذيب معتقلي سجن غوانتانامو، الذي وعد الرئيس أوباما بإغلاقه فور تسلّمه منصبه، ورغم مضي ما يزيد على الثلاث سنوات في رئاسته ظل السجن مفتوحاً. تراكم هذه الحوادث يبين بما لا يقبل مجالاً للشك، أننا أمام ظاهرة عنوانها، ساديّة لدى معظم جنود الجيش الأمريكي تجاه الآخرين! وإلا لِمَ تكرار الحوادث؟ فما تلتقطه الكاميرات هو القليل، وبالتالي فكم من الأحداث الشبيهة مورست ولم تسجلها عدسات المصورين؟ من ناحية ثانية يمكن القول إن مثل هذه الحوادث التي ربما جرى الكشف عنها بطريق المصادفة، لو نال ممارسوها عقاباً حقيقياً لارتدع الآخرون من الجنود عن تكرار هذه الحوادث. على صعيدٍ آخر، إن مظاهر العنف التي يمارسها الجنود الأمريكيون هي حصيلة لثقافة السوبرمانية التي تحرص الولاياتالمتحدة على تعبئة الجيش بها، فماذا تنتظر من صقورية التيار السياسي والآخر العسكري في الإدارة السياسية وقيادة الجيش التي ترى أن الولاياتالمتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على إحقاق سياسات الهيمنة الأمريكية على العالم؟ لقد طرح الأمريكيون منذ فترة سؤالاً مهماً: لماذا يكرهوننا؟ والسؤال موجه إلى العالمين العربي والإسلامي في استغلال بشع لأحداث 11 سبتمبر التي لا تعكس وجهة نظر العرب والمسلمين تجاه أمريكا، حيث حرص اللوبي الصهيوني والتيار الصهيو- مسيحي في الولاياتالمتحدة على تشويه ليس الإسلام فقط وإنما تشويه العرب والمسلمين كافة وتصويرهم بأنهم إرهابيون. لم تبرّر القيادات الأمريكية الأجوبة عن السؤال السابق من خلال السياسات الممارسة في العراق وأفغانستان، وقتل الكثير من المدنيين الباكستانيين والأفغان، ولا سيما على الحدود بين البلدين في غارات تشنها الطائرات الأمريكية وتبررها بمقولة "الخطأ في القصف". لم تبرر هذه القيادات الجواب الشافي عن السؤال بالانحياز الأمريكي التام للجانب "الإسرائيلي" في الصراع الفلسطيني العربي- "الإسرائيلي"، هذا على الرغم من سياسة المذابح والمجازر ضد الشعب الفلسطيني، والتنكر المطلق للحقوق الوطنية الفلسطينية، ورغماً عن تهويد القدس والاستيطان الذي يجري على قدمٍ وساق في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد وقف الرئيس أوباما ضد الاستيطان "الإسرائيلي" وطالب بوقفه في الضفة الغربية بما فيها القدس، كان ذلك إبّان حملته الانتخابية وفي بداية رئاسته، لكن رئيس أقوى دولة في العالم القادرة على ممارسة الضغوط على "إسرائيل" وأمام اللوبي الصهيوني والتيار المتصهين في إدارته، تراجع عن وعوده كلها، وأصبح يرى أن الاستيطان يجب ألا يشكل عقبة أمام إعادة المفاوضات "الإسرائيلية"- الفلسطينية، وبدلاً من ممارسة الضغط على "إسرائيل" أخذ يمارسه على الجانب الفلسطيني. لقد تراجع الرئيس أوباما عن كل وعوده التي وعد بها في خطابه الشهير في جامعة القاهرة، والتي تنص على الصفحة الجديدة التي فتحتها الإدارة الأمريكية في رؤاها للعرب والمسلمين وقضاياهم كافة، وعلى الأخص القضية الفلسطينية، وافتتحت مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية باكورة هذه العلاقات الجديدة معهم، من خلال ندوات مشتركة واستضافة الكثير من المثقفين العرب والمسلمين. كل ذلك ذهب هباءً، وما هي إلا أشهر قليلة حتى عادت السياسات الأمريكية إلى سابق عهدها. ليس ذلك فحسب، بل إن الرئيس أوباما يتباهى، وعلناً، في أن إدارته هي الأخلص والأكثر وفاءً ل"إسرائيل" من كل الإدارات الأمريكية السابقة!! إن سياسة المعايير المزدوجة أصبحت نهجاً أمريكياً في التعامل مع القضايا الوطنية للمنطقة. وحصيلة كل ذلك لا بد أن تولّد نظرة دونية في نفوس الكثيرين من الجنود الأمريكيين تجاه العرب والمسلمين بشكل عام، تعبّر عن نفسها في تصرفات شاذة مرعبة لا إنسانية من قبل البعض من الجنود بحقهم. ومن زاوية ثانية فإن هذه السياسات الظالمة البعيدة عن روح العدالة، ستخلق كرهاً متزايداً لدى شعوب المنطقة تجاه السياسات الأمريكية وليس ضد الأمريكيين كشعب نحترمه ونقدره.