خيب نقض المجلس الدستوري الفرنسي قانون حظر التشكيك بإبادة الأرمن، أمال الجالية الأرمنية - الفرنسية والمتعاطفين معها، لكنه شكل في المقابل مخرجاً للتأزم الذي شهدته العلاقات الفرنسية - التركية بسبب هذا القانون. واعتبر مجلس تنسيق المنظمات الأرمنية في فرنسا في بيان امس، أن المجلس الدستوري الفرنسي «استسلم بسبب تدخل تركيا» من خلال رفضه القانون الذي يجرم إنكار إبادة الأرمن في العام 1915، في حين نصحت أنقرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ب «ألا يجازف» بتقديم مشروع قانون جديد عن تجريم إنكار إبادة الأرمن بعد رفض المجلس الدستوري الفرنسي الثلثاء للنص الأول. وقال وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو في حديث إلى قناة «أر تي أر» العامة إن «ساركوزي جازف مرة أولى. وفي حال جازف مجدداً سيكون ذلك إعلان حرب على الثقافة الفرنسية والقانون الفرنسي ودولة القانون الفرنسية». وأضاف الوزير: «في السابق اعلن الحرب على حرية التعبير والتاريخ. الآن سيكون أعلن حرباً مفتوحة على المجلس الدستوري». وأعتبر المجلس الدستوري الفرنسي وهو أعلى هيئة دستورية في البلاد أن صياغة القانون الذي أقره مجلسا النواب والشيوخ في كانون الثاني (يناير) الماضي والذي يعرض المشككين بإبادة الأرمن إلى عقوبة السجن لمدة سنة وغرامة مالية قدرها 45 ألف يورو، «يمثل انتهاكاً للدستور في ما يتعلق بممارسة حرية التعبير والتواصل». وكان القانون الذي اقترحته النائبة فاليري بواييه من حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) أقر في المجلسين الاشتراعيين بأصوات أعضاء من الغالبية والمعارضة على السواء. كما أن إحالته على المجلس الدستوري للنظر بمضمونه تم أيضاً بمبادرة من نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ ينتمون إلى كلا الطرفين و يعتبرون أن القانون غير مناسب ولا لزوم له، خصوصاً أن فرنسا اعترفت عبر قانون تبنته عام 2005 بتعرض الأرمن للإبادة في العام 1915. وكان هذا الاعتراف الرسمي بإبادة الأرمن أثار استياء بالغاً لدى تركيا التي رأت فيه تحاملاً عليها. وفور صدور قرار المجلس الدستوري مساء الاثنين، أعلن قصر الأليزيه الرئاسي في بيان أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركززي «يقدر الخيبة الهائلة والحزن العميق لأولئك الذين تلقوا بعرفان وأمل القانون الهادف إلى حمايتهم في مواجهة التشكيك». وأضاف البيان أن ساركوزي كلف الحكومة «بأعداد نص قانون جديد يأخذ في الاعتبار قرار المجلس الدستوري»، في حين بادر النائب ريشارد مييه من اليمين الحاكم مدعوماً من عدد من نظرائه النواب إلى طرح مشروع قرار يدعو إلى مكافحة التشكيك بإبادة الأرمن. لكن مشروع القرار هذا ليس له فعل القانون فيما القانون الجديد الذي طالب ساركوزي بصياغته يبدو متعذراً في الفترة الحالية ولأسباب دستورية على صلة بحملة الانتخابات الرئاسية التي تشهدها فرنسا حالياً. وتوالت امس تعابير الاستياء من قبل أعضاء الجالية الأرمنية ومن قبل مؤيدي القانون المرفوض، فيما أوضح الأمين العام للحزب الحاكم جان فرانسوا كوبيه أن طرح مشروع قانون جديد يعاقب المشككين بإبادة الأرمن غير ممكن قبل الدورة البرلمانية المقبلة. وقال كوبيه إن أعمال الدورة الحالية للبرلمان باتت بحكم المنتهية ومن غير الممكن إضافة مشروع القانون الجديد على جدول أعمالها وإن النشاط البرلماني يعلق اعتيادياً خلال الأسابيع التي تسبق الانتخابات الرئاسية التي ستجري في منتصف نيسان (أبريل) ومطلع أيار (مايو) المقبلين. وبالتالي فإن مصير مشروع القانون الجديد يبدو مبهماً ومؤجلاً بانتظار معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية. وعلق المرشح الاشتراكي للرئاسة فرانسوا هولاند بحذر على قرار المجلس الدستوري فتعهد «إعادة درس الموضوع» في ظل أجواء «هادئة» في حال فوزه بالرئاسة.