في قاعة «موزاييك» في لندن حيث يعرض أدونيس مجموعة من لوحاته التشكيلية التقت مجلة «بروفيل» النمسوية الشاعر السوري الأصل وأجرت معه حواراً حول الثورات العربية نُشر تحت عنوان «أنا لا أدعم المعارضة». آراء أدونيس هنا مباشرة وصريحة ومثيرة للجدل في ما يتعلق بموقفه من الحركات الإسلامية و «ديموقراطية الانتخابات»، وهي على كل حال متشائمة و «مستفزة» لمن يعول على الحراك الثوري في عدد من البلدان العربية الذي يراه أدونيس حراكاً يقوده «الأصوليون» و «الفاشيون»، ولهذا يمثل في عيونه «ردة إلى العصور الوسطى». هنا ترجمة لفقرات من الحوار مع المجلة النمسوية: تتسارع الأحداث في سورية حيث كان المرء يخشى قبل فترة قصيرة نشوب حرب أهلية. الآن لدى المرء انطباع بأن الحرب الأهلية اندلعت بالفعل. - كلا، لم تندلع بعد. لكنها قد تنشب - وإذا حدث ذلك فهي الكارثة. النظام في سورية أقوى من المعارضة. غير أن كل شيء من الممكن أن يتغير إذا دخلت الأموال والأسلحة إلى البلاد. لكن التمرد ضد النظام أحدث بعض الحراك. - إنني أنظر إلى حركة التمرد التي قام بها الشباب في العالم العربي كله باعتبارها حركة فريدة من نوعها. أنا معجب للغاية بتنظيمهم لأنفسهم وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم. إن الشباب العربي هو الذي جعل هذا الربيع ممكناً، كما أنها المرة الأولى التي لا يقوم فيها العرب بتقليد الغرب. ولكن للأسف الشديد فإن من يحدد شكل الواقع ليس الشباب، وهو ما نراه في مصر وتونس. إن من يسيطر على المشهد اليوم هم الأصوليون والمتدينون الذين يتلقون الدعم من الخارج، وهم الذين يجنون ثمار الثورة. معنى ذلك أن تقييمك لحصاد الربيع العربي بعد عام من انطلاقه ليس إيجابياً للغاية. - بالتأكيد هناك فرص، ولكن الحصيلة ليست في الواقع إيجابية. فلنأخذ تونس مثالاً: تونس اليوم تخلّفت عما كانت عليه أيام الحبيب بورقيبة. نظام بورقيبة كان علمانياً، أما الآن فإن نظام الحكم إسلامي. (...) الأصوليون وحدهم هم المنظمون تنظيماً جيداً في الدول العربية. لكن الناس الذين يخرجون للتظاهر في حمص وحماة ويتعرضون للمذابح ليسوا إسلاميين. - وكيف لك أن تعرف هذا؟ كل المراسلين يقولون هذا. «الجزيرة» أيضاً. - وأنت تصدق ذلك؟ الغالبية العظمى من المعارضين أصوليون. أنني أعارض النظام معارضة جذرية، ولكنني لا أساند المعارضة، فأنا لا أريد المشاركة في الانتقال من ديكتاتورية عسكرية إلى ديكتاتورية دينية. (...) لقد أتيحت الفرصة للمصريين للمرة الأولى لكي يصوتوا في شكل حر. - صحيح. ولكن أنظر: لقد حصل الأصوليون على ثلاثة أرباع الأصوات تقريباً. في هذه الحالة فإن الديموقراطية ليست معياراً للتقدم. ولذلك ينبغي إعادة النظر في الديموقراطية. هتلر أيضاً وصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات. إنني أسألك: أي ديموقراطية هذه؟ بالطبع أنا ديموقراطي. لقد ربح الإسلاميون، وعليّ أن أقبل بذلك. ولكنني لن أقف أبداً في صفهم. أنت ترى إذاً أن هناك خطراً يمكن وصفه ب «الإسلامية الفاشية»؟ - بالضبط. لكن هذا لا يعني أن الديكتاتوريات الحالية يجب أن تبقى. ينبغي أن نسقطها بالطبع، هذا شيء مفروغ منه بالنسبة لي. ولكن على الإنسان أن يتساءل: أي نظام سيحل محل النظام القديم؟ كما أن على المرء ألا ينظر إلى سورية بمعزل عن جيرانها. علينا ألا ننسى أن هناك دولة في المنطقة تقوم على أساس ديني، أعني إسرائيل. ولسنا بحاجة إلى مزيد من النظم الدينية في المنطقة. ما المطلوب فعله إذاً؟ - على الشعب أن يواصل نضاله – ولكن من دون إيديولوجية دينية. (...) هل تعارض التدخل الخارجي؟ - نعم، وبخاصة التدخل العسكري. إن من الخطأ تماماً أن تخرج نداءات من الدول العربية طالبة التدخل. (...) إذا أراد الغرب أن يحرر العرب فليبدأ بالفلسطينيين. (...) في سورية يقتل الناس بالآلاف. والمعارضة تطلب المساعدة. - ينبغي أن تفهم أن التمرد في سورية ينحصر في مناطق بعينها – في حماة وحمص والمناطق الحدودية مع تركيا. ولكن المجتمع السوري إجمالاً لم يتحرك. ماذا عن دمشق، ماذا عن حلب واللاذقية؟ الهدوء يسود المدن المركزية في سورية. إذا تحرك المجتمع السوري كما حدث في اليمن، عندئذ – نعم – سيتغير كل شيء. (...) هل هناك اتصالات بينك وبين المعارضة السورية؟ - أي معارضة؟ هناك معارضات كثيرة: هناك من يتحالف مع تركيا، وهناك من يعيش في دول غربية أخرى، وهناك مجموعات متباينة داخل سورية. وكل يغني على ليلاه. على كل حال، عن نفسي كنت سأدعم معارضة الداخل. (...) الغرب لا يهتم اهتماماً حقيقياً بالعالم العربي. إننا نشهد صراعاً بين الغرب والشرق، والصراع يدور حول السلطة. هناك محور إيران – سورية – حزب الله، وهذا المحور لا بد من كسره. أوافق على ذلك. ولكن لا يمكن أن ندمر شعباً وبلداً وحضارة بأكملها من أجل ذلك. علينا أن نجد وسائل أخرى. أي وسائل؟ - لا أدري. لستُ سياسياً. ولكن بالتأكيد فإن الوسائل التي استخدمت في العراق كانت خاطئة. البلد دُمر. والآن يريدون فعل الأمر نفسه مع سورية. في العقود الماضية كان الأميركيون يزودون الأصوليين بالمال، مثلما حدث في أفغانستان، وكان المديح يُكال لهم باعتبارهم يناضلون من أجل الحرية، ثم تحول المناضلون إلى إرهابيين أشرار. والآن ها هم يعودون إلى دعم الإسلاميين. لكن الإخوان المسلمين يتبنون بالأحرى إسلاماً معتدلاً. - ليس هناك إسلام معتدل. هناك مسلمون معتدلون. أنا ضد السياسة الأميركية، وضد السياسة الغربية تجاه العالم العربي، لأنني لا أستطيع، ولا أريد أن أفهم منطق هذه السياسة. ولكن أين هي القوى الفعلية في العالم العربي التي تتبنى أفكارك؟ - رسامون وشعراء وفنانون متميزون يفكرون مثلي. إنهم أفراد. ولكن الجموع العربية يحركها الدين.