استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أقيم من 22 كانون الثاني (يناير) إلى 7 شباط (فبراير)، ندوة بعنوان «في الفكر النهضوي الإسلامي» شارك فيها: الدكتور رضوان السيد من لبنان، والدكتور سعيد العلوي من المغرب، والدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد كمال الدين إمام أستاذ الشريعة في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وذلك لتقديم مشروع إحياء التراث الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية وصدر عنه ما يقرب من 20 كتاباً تجدد تراث عصر النهضة الإسلامي ومفكري ذلك العصر من أمثال محمد عبده وعلال الفاسي وخير الدين التونسي وشكيب أرسلان. ومن هذه الكُتب «مقاصد الشريعة الإسلامية» لمؤلِّفه الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، «العودة الى الذات» لمؤلفه على شريعتي، «الحياة الروحية في الاسلام» لمؤلفه محمد مصطفى حلمي، «الاسلام دين الفطرة والحرية» لمؤلفه عبدالعزيز جاويش، «المرأة والعمل» لمؤلفته نبوية موسى، «تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية» لمؤلفه مصطفى عبدالرازق، «نهضة الأمة وحياتها» لمؤلفه طنطاوي جوهري، «دفاع عن الشريعة» لمؤلِّفه علال الفاسي، «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» لمؤلِّفه عبدالرحمن الكواكبي، «مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية» لمؤلِّفه رفاعة رافع الطهطاوي، «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» لمؤلِّفه الطاهر الحدّاد. وعمل قام باحثون مختصون، إلى جانب إعادة إصدار آخر طبعة للكتاب نُشرت في حياة المؤلف، على إعداد تقديم للكتاب يُنشر معه ويتضمن تعريفاً به وبمؤلفه وأهم ملامح مشروعه الفكري التجديدي. استهل د. اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية الندوة بالاشارة الى أن فكرة المشروع الذي أُطلق عليه «اعادة اصدار كُتب التراث الاسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/التاسع عشر والعشرين الميلاديين» قد نبعت من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة، تأكيداً لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري. وقال: «السبب الرئيسي لاختيار هذين القرنين هو وجود انطباع سائد غير صحيح وهو أن الاسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية ولم تتجاوزها. كما أوضح أن هذا المشروع «يسعى للجمع بين الاحياء والتجديد والابداع والتواصل مع الآخر. وليس الاهتمام بهذا التراث اشارة الى رفض الجديد الوافد علينا بل علينا التفاعل معه واختيار ما يناسبنا منه فتزداد حياتنا الثقافية ثراءً، وتتجدد أفكارنا بهذا التفاعل البناء بين القديم والجديد، بين الموروث والوافد فتُنتج الاجيال الجديدة عطاءها الجديد، اسهاماً في التراث الانساني المشترك، بكل ما فيه من تنوع الهويات وتعددها». نهضة عالم وقال الدكتور محمد عمارة ان هذا المشروع «ليس مجرد نشر لكتب التراث، بل هو اختيار محمود لكتب تمثل الفكر النهضوي الذى نسعى إليه». ولفت الى أن «الثورات التي تشهدها الأمة العربية هدفها هو السعي نحو نهضة عالم العروبة والاسلام، كما ان الخيارات الغربية قد أفلست داخل العالم الغربي وخارجه، وعندما نتحدث عن العالم الغربي فإنه ليس شيئاً واحداً ولكن لا بد من التمييز بين كل من الحضارة الغربية، والعلوم الغربية، والانسان الغربي. فالحضارة الغربية بلغت من العبقرية مكانة يجب أن نسعى الى بلوغها والاستفادة منها بمختلف السبل لتحقيق التقدم لعالمنا العربي والاسلامي، وأما العلوم فلا ينكر الا جاحد اننا تتلمذنا عليها، وثمارها شتى فى مختلف مجال الحياة. ونأتي الى الانسان الغربي فنجده يفتح عقله ويُفسح المجال لقلمه في قضايانا حين نُحسن تقديمها وعرضها بصورة واضحة وصحيحة. ان مشكلتنا ليست مع هذه الاطراف بل مع مؤسسات الهيمنة التي جاءت الى الشرق لتحتله وتغتصب ثرواته، وذلك يمثل صراعاً ما زال قائماً معه منذ 10 قرون». وأضاف عمارة ان الجماهير العربية «تأكدت وآمنت انه لا يوجد خيار نهضوي الا بالعودة الى المرجعية الاسلامية. من هنا تأتي اهمية هذا المشروع الذي تنهض به مكتبة الاسكندرية والذي يتم بانجازه تحقيق احلام وطموحات هؤلاء الأعلام الذين يدعون ويسعون الى نهضة لعالمنا العربي في مواجهة الهيمنة. وهذه المؤلفات تساعدنا على الوقوف في مواجهة الهيمنة التي تحرس تخلفُنا. ان هذا المشروع لا يختلف اثنان على انه يقدم جدول أعمال فكرياً لثورات الربيع العربي، كما ان هذه الاصدارات تلفت النظر الى ان اللحظات التي يعيشها العالم العربي والاسلامي تمثل طموحات لنهضة هذه الامة التي غُيبت لقرنين منذ جاء نابليون بونابرت ليطمس انجازاتها. لذا تتطلب هذه اللحظات من الثوار السعي نحو عودة أمتنا الى الريادة والامامة بين الشعوب». علاقة غير صحية وأشار رضوان السيد الى العلاقة غير الصحية بين العرب وتراثهم الحضاري القديم والحديث، وكيف ان الايرانيين والأتراك استطاعوا الكتابة بطريقة موضوعية ومحترفة عن التراث الاسلامي كأنه جزء من تراثهم بغض النظر عن حاضرهم، وهو ما عجزت عنه الدولة العربية منذ 150 عاماً لانقسام المثقفين العرب أنفسهم. ولفت الى ان اصحاب الكُتب التي أنجزها مشروع مكتبة الاسكندرية «أنفقوا جهدهم للخروج مما أعتبروه مأزقاً يحيط بالأمة وأشتد بهم الوعي في أواسط القرن التاسع عشر، لذا عندما تقوم المكتبة بذلك فهي تتبنى فكرة تُدرس في سياقها وتشتغل عليها الأجيال الجديدة وهذا أمر عظيم، كما أنها خطوة جادة لإعادة قراءة تراث يشغل من 100 الى150 عاماً». ورأى أن هذا المشروع «يمثل اسهاماً في كتابة تاريخ أمتنا الثقافي الذي تولى العالم كتابته الا نحن». وأشار العلوي الى أن النهضة الثانية وردت على ألسنة عدد من الباحثين والمفكرين تعبيراً عن الأمل في تحقيق نقلة نوعية تمييزاً لها عن النهضة العربية الأولى التى أمتدت منذ منتصف القرن التاسع عشر وتقف عند خمسينات القرن العشرين. ولفت الى ان «الخطاب العربي في عصر النهضة تميز باستعمال جملة مفاهيم راهنة بالنسبة إلينا الآن، وأن قراءة تاريخ البشرية بصفة عامة مثال: نموذج حركة النهضة الاوروبية (نهاية القرنين الخامس عشر والسادس عشر) التي مهدت لحركة الحداثة، نموذج النهضة اليابانية (القرنان الثامن عشر والتاسع عشر)، نموذج الحركة العربية الاسلامية. وهناك نقاط مشتركة بين تلك النماذج: الشعور بوجوب العودة الى الأصول، لا بد من مشروع ثقافي كبير يقوم بإحياء التراث اما ان تقوم به دولة منفردة، مجموعة من الافراد، مؤسسات المجتمع المدنى، أو التداخل بينهما». بينما أوضح الدكتور محمد كمال إمام أن ولادة مشروع مكتبة الاسكندرية جاءت قبل سنوات من ثورات الربيع العربي الذي تُعد مؤلفاته بمثابة الأعمال التأسيسية لها، كما أن هذا المشروع يمثل مفاجأة أن تأتي من المكتبة التي كان يُظن أنها ستكون نشاطاً قاصراً على الجانب الآخر من البحر المتوسط .