أصدرت مكتبة الإسكندرية 11 عنوانًا ضمن أول مجموعة من الكتب في إطار مشروع «إعادة إصدار كتب التراث في الفكر النهضوي الإسلامي»، والذي يهدف إلى تقديم مختارات من تراث هذا الفكر، والتعريف بأهم كتابات التجديد والنهضة وأعلامها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية: إن فكرة المشروع نبعت من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن ضرورة المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة، والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيدًا لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاريِّ. وأوضح أن السبب الرئيسي لاختيار القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين هو وجود انطباع سائد غير صحيح؛ وهو أن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة، ولم تتجاوزها، في حين أن استعراض وثائق هذه المرحلة يشير إلى غير ذلك، ويؤكد على أن عطاء المفكرين المسلمين - وإن مر بمد وجزر – فإنه تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة والتي تشمل القرنين الأخيرين. وأشار إلى أن المشروع يسعى إلى تكوين مكتبة متكاملة ومتنوعة، تضم مختارات من أهم الأعمال الفكرية لرواد الإصلاح والتجديد الإسلامي خلال الفترة التي يشملها المشروع، إضافة إلى إتاحة هذه المختارات للشباب بصفة خاصة وللأجيال الجديدة بصفة عامة، وتمكينهم من الاطلاع عليها ورقيًّا وإلكترونيًّا عبر الإنترنت. من جانبه، أكد الدكتور صلاح الدين الجوهري؛ منسق مشروع «إعادة إصدار كتب التراث في الفكر النهضوي الإسلامي»، أن المشروع يسعى للجمع بين الإحياء والتجديد والإبداع والتواصل مع الآخر. كتب المشروع وأشار الجوهري إلى أن المجموعة الأولى من الكتب التي أصدرتها مكتبة الإسكندرية في إطار المشروع تضم 11 عنوانًا؛ هم: «مقاصد الشريعة الإسلامية» لمؤلفه محمد الطاهر ابن عاشور، و»دفاع عن الشريعة» لمؤلفه علاَّل الفاسي، و»طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» لمؤلفه عبدالرحمن الكواكبي، و»الإسلام دين الفطرة والحرية» لمؤلفه عبدالعزيز جاويش، و»الحياة الروحية في الإسلام» لمؤلفه محمد مصطفى حلمي، و»المرأة والعمل» لمؤلفته نبوية موسى، و»المدرسة الإسلامية» لمؤلفه محمد باقر الصدر، و»العودة إلى الذات» لمؤلفه علي شريعتي، و»تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية» لمؤلفه مصطفى عبدالرازق، و»امرأتنا في الشريعة والمجتمع» لمؤلفه الطاهر الحدّاد، و»تجديد الفكر الديني في الإسلام» لمؤلفه محمد إقبال. الفلسفة الإسلامية ويكتسب كتاب «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية» قيمة تاريخية ومذهبية كبرى بين الكتب التي تم تأليفها في مجال الفلسفة الإسلامية خلال القرن العشرين، حيث يختلف عنها جميعا في موضوعاته ونتائجه. فمن ناحية؛ لم يأت الكتاب على النحو المألوف والنهج المعروف عند المؤلفين الشرقيين والمستشرقين، ممن اتهموا الفلسفة الإسلامية بعدم الدقة والأصالة والعجز عن الابتكار، وبأنها ليست إلا محاكاة للفلسفة اليونانية، أو اختصارًا سيئًا قام به مترجمون ضعفاء للفكر اليوناني القديم. ومن ناحية أخرى؛ يعد «التمهيد» كتابًا في المنهج بالدرجة الأولى، حيث قدم الشيخ مصطفى عبدالرازق تصورًا خاصًا بنشأة الفكر الفلسفي في الإسلام بعد أن كان يدرس قبل ذلك على نحو يميل إلى النظر الغربي. في حين يعد كتاب «دفاع عن الشريعة» واحدًا من أهم أعمال علاَّل الفاسي ضمن مشروعه الإصلاحي؛ حيث تناول فيه الجانب التشريعي من المشروع. وتتركز إشكالية الكتاب حول سؤال مركزي هو: كيف يمكن لنا اليوم -ونحن نعيش زمن التطور- أن نُحَكِّم تشريعًا نزل منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنًا؟. أما كتاب «العودة إلى الذات» فهو من أهم مؤلفات المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي؛ حيث يشرح طبيعة مشروعه الفكري النهضوي، ويلخص فلسفته في الحياة. وفي نظر شريعتي أن قضية العودة إلى الذات من القضايا الأساسية التي يدور حولها الحوار في ساحة المفكرين في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي محل جدل وحوار في إيران أخيرًا. وقد تعرف علي شريعتي على النقاشات التي جرت حولها، حينما كان في فرنسا، وتحدث عنها واعتبرها من قضاياه الأساسية بعد عودته إلى بلده، وتطرق إليها بوصفه مفكرًا مسؤولًا ينهض بواجبه تجاه مجتمعه. وجاء الحوار حول هذه القضية في سياق تأكيد الاستقلال الحضاري، ونقد الغرب، ورفض التبعية له، ولإثبات وجود الذات شرطًا لنهضة الأمة. ويقع كتاب «المدرسة الإسلامية» في صلب المشروع الفكري النهضوي للسيد محمد باقر الصدر؛ لكونه وثيق الصلة بكتابيه «فلسفتنا» و»اقتصادنا»، وهما الشقيقان الفكريان كما يصفهما. يحاول الكتاب في جزأَيه التأكيد والبرهنة على أن الإسلام هو النظام الفكري القادر على بلورة وصياغة النظام الاجتماعي الأصلح للمجتمعات الإسلامية المعاصرة. الاستبداد السياسي ويتناول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد» الإجابة التي استقر عليها عن السؤال المتعلق ب «المسألة الكبرى»؛ وهي الانحطاط وأسبابه وعلاجه، والتي ذهب فيها المفكرون كل مذهب، لكن الكواكبي استقر بعد طول تفكُّر إلى أن الاستبداد السياسي هو أصل الداء، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية؛ فالاستبداد هو الذي يقلب سير الأمم من الترقي إلى الانحطاط، ومن التقدم إلى التأخر. ولتقديم الدواء يجب السعي لتحرير العقول، ورفع الضغط عليها الذي يسببه الاستبداد؛ لينطلق سبيلها في النمو، فتمزق غيوم الأوهام التي تمطر المخاوف. البحوث الأصولية ويمثل كتاب «مقاصد الشريعة» فتحًا جديدًا يقوم عليه تأسيس علم المقاصد الشرعية، وقفزة نوعية في البحوث الأصولية، وهو إلى ذلك يعد تأسيسًا كبيرًا لذاتية هذا العلم، ورسمًا لإطاره الذي ميزه عن غيره. قام فيه العلامة محمد الطاهر ابن عاشور بوصل ماضي الفكر المقاصدي بحاضره، وأعاد لفت انتباه المسلمين إليه، وبعث الاهتمام بمجال المقاصد الذي كان قد توقف البحث فيه منذ عصر الشاطبي. وهو ليس مجرّد تأصيل للفقه، بل يبدو أنه نظر في مشاغل حركة الإصلاح والنهضة، وما واجهها من مشكلات وتحديات في سياق السعي لأن تستأنف الأمة مسيرتها الحضارية، ويقدم عبدالعزيز جاويش في كتابه «الإسلام دين الفطرة» تجديدًا وتصويبًا لفهم الدين وتأويل مصادره، ومراجعة للأفهام السقيمة والتأويلات الباطلة التي علقت به طوال مسيرته، جاعلًا من ذلك مدخلًا للنهضة؛ حيث إن إعادة ذلك الفهم وتلك التأويلات إلى حقيقتها -التي تقدم الإسلام بحسبانه دينًا للفطرة والحرية- يجعل منه دينًا صالحًا للإنسانية في كل زمان ومكان. والكتاب على قسمين؛ يتناول الأول منهما بعض السمات المهمة في الإسلام التي تجعل منه دينًا يتوافق مع الفطرة، أما القسم الثاني فيتناول أثر القرآن في تحرير الفكر البشري. ويعيد محمد مصطفى حلمي في كتابه «الحياة الروحية في الإسلام» الاعتبار لتلك الحياة بوصفها تحقيقًا أمثل للعقيدة الإسلامية الخالصة، الجامعة ما بين الروح والعقل من جهة، وبوصفها الممثل الأصيل لمبحث الأخلاق في الإسلام من جهة أخرى، وذلك من خلال الرد على فريق المستشرقين الذين لم يمنحوها حقها من الدرس والتمحيص، وأغلب الإسلاميين ممن انحصر جل همهم في تقدير قيمتها بميزان الدين. وفيه يتتبع المؤلف الجذور الإسلامية لنشأة الحياة الروحية في الإسلام. المرأة والجمود وقد نشر كتاب «المرأة والعمل» لأول مرة عام 1920، في محاولة لتصحيح وضع المرأة المصرية التي أصابها الجمود بسبب الحجر عليها، ومنعها من التعليم والعمل بدعوى أن ذلك يخالف الدين، وأن خروجها من المنزل يخالف العادات الشرقية. وهذا الإصدار هو أول كتاب تضعه سيدة للدفاع عن حق المرأة في العمل بعد حقها في العلم والتعليم الراقي. ودعت نبوية موسى إلى ترقية المرأة وفك الحصار عنها، وإعطائها حقوقها المدنية والاجتماعية، باحثة عن جذور تلك الدعوة في التاريخ المصري والإسلامي، لإثبات أنها غير بعيدة عن أصالتنا الإسلامية وثقافتنا العربية. وفي ذات السياق، دعا الطاهر الحدّاد في كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» إلى تحرير المرأة من أصفاد التقاليد البالية التي سجنتها قرونًا طويلة، بين مطرقة الجمود في فهم النصوص وسندان المجتمع، ومن سيطرة القراءات الخاطئة لنصوص الشريعة وأحكام الدين. ويعد كتاب «تجديد الفكر الديني في الإسلام» علامة بارزة في الفكر النهضوي الإسلامي؛ حيث يوضح فيه محمد إقبال أن القرآن الكريم كتابٌ يُعنى بالعمل أكثر مما يُعنى بالنظر، ويرى أن الإسلام قد سبق الفلسفات المعاصرة في الدعوة إلى التفكير الواقعي، ويدعو إلى ضرورة مراقبة تطور الفكر الإنساني والوقوف منه موقف النقد والتمحيص.