مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    اتحاد الغرف يطلق مبادرة قانونية للتوعية بأنظمة الاستثمار في المملكة والبرتغال    الاحتلال لا يعترف ب (الأونروا)    «الكونغرس» يختار الرئيس حال تعادل هاريس وترمب    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «حديقة السويدي» من ثقافة باكستان إلى الأسبوع اليمني    شتاء طنطورة يعود للعُلا    «الأسبوع العربي في اليونسكو».. ترسيخ المكانة الثقافية في المملكة    12 تخصصاً عصبياً يناقشه نخبة من العلماء والمتخصصين بالخبر.. الخميس    برعاية الأميرعبدالعزيز بن سعود.. انطلاق المؤتمر والمعرض الدولي الرابع لعمليات الإطفاء    ليلة الحسم    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    رئيس الشورى يستقبل السفير الأمريكي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    تنوع تراثي    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    ترمب وهاريس في مهمة حصاد جمع الأصوات    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى السبت المقبل    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي        حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 150 كلجم من القات    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في قبضة الحرب الأهلية والتدويل
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2012

ليس من شك في أن ما تشهده سورية اليوم هو حرب أهلية بامتياز، تبدأ من فقدان النظام السيطرة العسكرية على بعض المناطق من قبيل الزبداني وحمص وإدلب ودير الزور... واضطرار النظام إلى التفاوض مع «الجيش الحر» حول الانسحاب من هذه المنطقة أو تلك، ومعه الانشقاقات المتوالية في صفوف الجيش، والتهجير الديموغرافي الذي عرفته بعض المناطق على قاعدة فرز طائفي ومذهبي، وتواصل الخطاب الرسمي المؤجج للتعبئة الطائفية وتخويف الأقليات من الجماعات المتطرفة، ومعه المؤشرات الواضحة في الانهيار الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة السورية بمستوى مريع أمام العملات الأجنبية، كل ذلك مقروناً بالحشود الشعبية التي تملأ شوارع سورية في مدنها وأريافها غير عابئة بالجواب القمعي والقتل الذي تمارسه أجهزة النظام...
كل هذه المؤشرات لا تترك مجالاً للتخمين بمدى انزلاق الوضع السوري في احتراب أهلي. تتخذ الحرب الأهلية في كل بلد شكلاً يتوافق مع واقعه، لذا ليس من الضروري نسخ الحرب الأهلية اللبنانية وإسقاطها على ما يجري في سورية للجزم بوجود هذه الحرب.
إلى جانب هذه المظاهر، يبدو أن الشكل السلمي للتظاهرات يخلي المكان للردود العسكرية من جانب القوى المنشقة عن الجيش، تحت حجة حماية المتظاهرين، وهو أمر يتصاعد عبر تعدد التشكيلات العسكرية التي يبدو أنها سائرة نحو إنتاج مؤسسات عسكرية مقابلة للمؤسسة الرسمية. يستدعي هذا التطور استدعاء مساعدات خارجية خصوصاً على مستوى التسليح، وصولاً إلى مشاركة قوى متطوعة للقتال ضد النظام السوري.
في المقابل، يمسك التدويل الإجمالي، العربي والإقليمي والدولي، بتلابيب الأزمة السورية، فما هو حاصل منذ بدايات الأزمة على صعيد العقوبات المفروضة على سورية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وعدد كبيرمن الدول، هو تدويل صريح، خصوصاً أن هذه العقوبات طالت مؤسسات وشخصيات سياسية وعسكرية واقتصادية من أركان النظام، وأن مفاعيل هذه القرارات الدولية وضعت سورية في عزلة واضحة، وتركت انعكاسات اقتصادية بالغة الأثر في الاقتصاد السوري، ليس أقلها تصريحات سورية رسمية أن سورية فقدت حوالى ملياري دولار من مداخيلها التي كانت تأتيها من إنتاج النفط، وذلك نتيجة حظر استيراد النفط السوري. كما يجب أن نقرأ مواقف كل من روسيا والصين في وصفها عنصراً من عناصر تدويل الأزمة.
هناك من يختصر التدويل بالتدخل العسكري المجاز من قبل مجلس الأمن الدولي على غرار ما جرى في ليبيا العام الماضي، هذا العنصر لا يختزل التدويل الذي قطع مسافات شاسعة في القبض على الأزمة السورية منذ اندلاعها، ولا يزال يمارس هذا الدور. ولا يراهنن احد على تدخل عسكري خارجي لإسقاط النظام السوري، بل سيشكل هذا التدويل الجاري عنصر دعم معنوي للمعارضة فقط .
لعل ما جرى في مجلس الأمن مؤخراً يشير إلى مدى تحول الأزمة السورية ميدان صراع خارجي على سورية من جهة، وعلى مواقع النفوذ الدولية من جهة أخرى، ما يجعل الأزمة السورية مرشحة لتجاذبات وتصعيد الصراع إلى أن يسفر الاستنفار التدويلي عن تسويات داخلية من جهة وخارجية في الآن نفسه.
لا يقرأ هذا الانزلاق إلى الحرب الأهلية والتدويل إلا بوصفه الابن الشرعي لسياسة النظام السوري الاستبدادي الذي أقفل على كل بحث في التسوية السياسية، قبل اندلاع الانتفاضة وخلالها. فالتركيز على أن ما يجري هو مؤامرة خارجية وعصيان مسلح من جماعات إرهابية، وبالتالي اللجوء إلى الخيار الأمني سبيلاً وحيداً لإنهاء الانتفاضة، بل وإعلان النظام صراحة في اعتماد خيار الحرب الأهلية وسيلة للحفاظ على نظامه.. هذه كلها دفعت بالوضع السوري بالوصول إلى هذا المأزق والدخول في خيارات مكلفة جداً للجميع.
في استعادة لذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، وهي ضرورية جداً هنا، يخطئ من يظن أن الحرب الأهلية في سورية ستكون رابحة لأي طرف من أطرافها. هذه الحرب الجارية ستؤجج النزاعات الطائفية والمذهبية، وتجعلها تخرج من جوفها كل مكونات التفكك في النسيج الاجتماعي، وتظهر على السطح الأحقاد والكراهية بين مكونات المجتمع، وستسير بسورية، الكيان والمجتمع والاقتصاد، إلى هلاك محتم، وسينتج مزيداً من تفكك المؤسسات بحيث تبدو سورية في خراب حقيقي. والأخطر ما قد تنتجه على صعيد الهيمنة المقبلة والتي قد لا تكون لمصلحة القوى الديموقراطية. الجميع خاسر من هذه الحرب، والخاسر الأكبر هو سورية.
لن يتراجع النظام عن خياره الأمني مهما كلف من ضحايا، كما لن يكون بمقدوره القضاء على الانتفاضة. ولن تتراجع الانتفاضة عن مطلبها في تغيير النظام وإقامة الديموقراطية بعد أن دفع الشعب السوري كل هذه الضحايا، ولن يكون بإمكان سورية الوصول إلى حل لأزمتها بمعزل عن تدخل القوى الخارجية. يبقى أن مسؤولية خاصة تطال هذه المرة المعارضة بالذات، لكونها أم الولد، في إنتاج خطاب سياسي جامع وموحد وبعيد من الفئوية، والنضال بقوة ضد انحرافات قد تلجأ إليها بعض قواها على الأرض في اتباع سياسة انتقامية على أساس طائفي ومذهبي، خصوصاً أن هذه المعارضة لا تزال في قلب أزمتها التكوينية وانقساماتها المستمرة، سواء على صعيد التشكيلات السياسية أم العسكرية. والأسوأ من كل ذلك تلك المشاهد التي تبدو فيها المعارضة في مكان، فيما الشارع في مكان آخر، وهو أمر يعمق من أزمة هذه الانتفاضة ويزيد تعقيداتها.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.