وجدت عبر تجربتي الصحافية الطويلة أن المواضيع الدينية هي أصعب مادة للكتابة وأكثرها جدلية، بل خطراً، ومع ذلك فقد عدت اليها مرة بعد مرة مرغماً، لأن هناك ما يوجب أن يكتب عنه. ثمة سببان لما أكتب اليوم: الأول الحملة المستمرة على الاسلام والمسلمين من ليكوديين أميركيين وأنصارهم، والثاني أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية يبررها أنصارها بخرافات توراتية، فيلتقي متطرفون دينيون يهود، أكثرهم من الأميركيين، مع تبشيرين مسيحيين في رعاية برامج من نوع «تبنَّ مستوطنة»، أو «ابقوا الخليل يهودية للشعب اليهودي»، وهذا شعار برنامج يموله الثري ارفنغ موسكوفيتز الذي جمع ثروته من كازينوات القمار. كيف أصبحت فلسطين «أرض الميعاد»؟ في سفر يشوع يقول الرب ليشوع الذي خلف موسى: «أعبر نهر الأردن أنت وكل الشعب الى الأرض التي أنا معطيها لبني اسرائيل. كل مكان تطأه أخامص أقدامكم لكم أعطيته، كما قلت لموسى، من البرية ولبنان هذا الى النهر الكبير نهر الفرات أرض الحثيين والى النهر الكبير الذي في جهة مغارب الشمس تكون أرضكم». هذا الكلام ينسبه يشوع الى الرب، وهو يستحيل على التصديق ففي بقية السفر والأسفار التالية لا يدخل اليهود مدينة أو أرضاً الا وهي مسكونة، فلماذا يرسلهم الرب الى أراضي الآخرين وهو قادر أن يجعل لهم ألف جنة عدن؟ لا يكفي رداً أن يقال إن الرب أرسل اليهود الى أراضي كفار، فهو كان قادراً أن يهدي الكفار، ثم أن «الشعب المختار» خذل ربه تكراراً وعصى أوامره لذلك تتكرر عبارة «غضب الرب على بني اسرائيل» أو «اتقد غضبه...» في التوراة. الاستحالة تزيد أضعافاً مضاعفة في الدخول على أريحا، فالرب، بحسب الخرافة التوراتية، قال ليشوع ان ينفخ سبعة كهنة في سبعة أبواق من قرون الكباش وكل الشعب يهتف هتافاً عظيماً فيسقط سور المدينة. ويشوع في مكان آخر من سفره أوقف الشمس والقمر ولا أصدقه. حتى إذا كان القارئ صدق أن سوراً يسقط بالزمامير والزعيق فهو قد يجد التالي أصعب من أن يبتلع، فالخرافة التوراتية تقول إن الرب قال ليشوع: «كل المدينة محرمة للرب ما عدا الزانية راحاب (التي أخفت جاسوسين بعث بهما يشوع) وأهلها. كل ما في المدينة من الرجل وحتى المرأة ومن الشاب وحتى الطفل، وحتى البقر والغنم والحمير اقتلوهم بحد السيف». هذا الرب يأمر بإبادة جنس، ويشجع على ارتكاب جرائم حرب، بل هو يقول ما يناسب هوى الغزاة: «ولكن ابقوا على فضة وذهب وآنية نحاس أو حديد فهي قُدْسٌ للرب». ليست جريمة واحدة ففي كل مدينة دخلها الاسرائيليون كانت هناك جريمة حرب أخرى والرب، أيضاً بحسب الخرافة، أسلم ملك العيّ وشعبه ومدينته وأرضه لليهود فقتلوهم جميعاً، بطلب من الرب طبعاً، بل طاردوا الناجين في البرية، وسقط 12 ألفاً من العيّ رجالاً ونساء فقد قتلوا جميع السكان. وعندما نظم ملوك الأموريين الخمسة تحالفاً ضد اليهود أسلم الرب الملوك اليهم، بل ساعدهم بأن أمطر الأموريين بحجارة البرد فقُتِل أكثر من الذين قتلوا بالسيف، والملوك أنفسهم اختبأوا في مغارة فأخرجوا وداس الغزاة على رقابهم وأعدموهم بشهامة منقطعة النظير. وأعرف أن المجال سيضيق فأنتقل الى سفر صموئيل الأول، حيث الرب يقول لشاؤول الذي خلف صموئيل: «هكذا يقول رب القوات فقم الآن واضرب العماليق وحرم كل ما لهم، ولا تبقِ عليه، بل أمت الرجال والنساء والأولاد، حتى الرضع، والبقر والغنم والابل والحمير». غير أن شاؤول يحتفظ لنفسه بخيار البقر والغنم فغضب الرب وقال لشاؤول: «إنني قد ندمت على اقامة شاؤول ملكاً». الله، كما نعرفه، لا يندم، ولا يدعو الى إبادة جنس ولا يرتكب جرائم حرب، ولا يقتل الأطفال والماشية مع استحالة أن يحملوا أي ذنب، إلا أنها الخرافة التوراتية التي يصدقها أصحابها فقط. ما أوردت اليوم هو نقطة في بحر الجرائم التي ارتكبها اليهود بحق سكان البلاد، خصوصاً الفلسطينيين، الذين تعامل مدنهم مثل أريحا وحامور، قرب الحولة، والعيّ والأموريين والعماليق. هل هذا معقول؟ كل ما أقول إن انساناً يتبع هذا الدين لا يمكن أن يهاجم أتباع أي دين آخر.