في اوقات فراغه القليلة، كان المخرج التلفزيوني الهولندي الشاب ديفيد غريفهورس يشتغل على فكرة برنامج مسابقات تلفزيوني جديد. في القطار مثلاً، في الطريق الى مكان عمله (كما كشف في لقاء صحافي)، واثناء استراحات عمله اليومي، كأحد مخرجي برنامج حوار تلفزيوني يعرض على شاشة القناة الرسمية الثالثة الهولندية. لكن الطريق لم يكن سالكاً حتى «لأهل التلفزيون» من أمثاله، فلم يجد ديفيد غريفهورس الاهتمام لإنتاج فكرته لدى القنوات التلفزيونية الهولندية، او بالتحديد من المنتجين التلفزيونيين الذين قابلهم. هذا الامر لم يثنه عن المحاولة، ليجد في النهاية أسلوباً مبتكراً، فعوضاً عن إقناع القنوات بإنجاز حلقة تجريبية (ستكلف اموالاً كبيرة) من البرنامج، والحكم بعدها على شعبية المشروع التلفزيوني، انجز المخرج الهولندي الحلقة معتمداً على جهده الخاص وخبرته باستخدام برامج كمبيوتر، واستبدل المتسابقين بشخصيات كرتونية، ورسم سيناريو المسابقة، وأضاف الموسيقى التصويرية، ومنح صوته الخاص لمقدم المسابقة وللمتسابقين ايضاً. وبعد انجاز الحلقة التجريبية، ارسلها الى معرض التلفزيون الدولي، الذي ينظَّم في مدينة كان الفرنسية في تشرين الأول (اكتوبر) من كل عام، ويعد واحداً من اكبر تجمعات القنوات التلفزيونية في العالم. وسرعان ما تلقفت شركة «سوني» الاميركية الفكرة لتقوم بشراء حقوقها الحصرية، ثم تبدأ بعدها بحملة إعلان قوية لبيع البرنامج، والتي حققت نتائج باهرة، اذ بيعت حقوق انتاج نسخ محلية الى ثمانين قناة تلفزيونية حول العالم، كان اولها قناة «اي تي في» البريطانية التجارية، والتي قامت الاسبوع الماضي بعرض اولى حلقات البرنامج الذي حمل اسم «لائحة الخروج»، فيما تستعد دول اخرى مثل الولاياتالمتحدة ( قناة «اي بي سي») لعرض اولى حلقاتها من البرنامج ذاته في الاسابيع القليلة المقبلة. متاهة اللافت في برنامج المسابقات الجديد هو الديكور الضخم، والذي يشكل احدى هويات البرنامج، فالمتسابقون عليهم ان يمروا في متاهة من الغرف، تضم كل منها خزانة نقود وجهاز كمبيوتر يطرح اسئلة، مقدماً اختيارات اربعة لكل سؤال. يتحدد طريق المتسابقين في المتاهة والحلقة ايضاً، على ضوء الاجوبة المقدمة، اذ تقودهم اجاباتهم الى غرف اخرى، بعضها يحمل اسئلة تتضمن اختبارات قاسية للذاكرة، واخرى تضم جوائز نقدية تصل الى مئات الآلاف من الدولارات. وللخروج من المتاهة هذه، يتوجب على المتسابقين تذكر كل الاجوبة التي نجحوا في معرفتها، وايضا كل الاحتمالات الاخرى للأسئلة التي لم يوفقوا في معرفة اجاباتها، لتشكل ما يعرف بلائحة الخروج، والتي يطلب من الفريق المشترك تذكرها كلها قبل الخروج من المتاهة، والاحتفاظ بالمبلغ الذي جمعوه من الغرف التي مروا بها. ما يميز البرنامج الجديد، والذي ربما هو السبب الذي سيبقيه سنوات طويلة على الشاشات، وعلى خلاف برامج مسابقات تلفزيونية اخرى لم تصمد طويلاً، هو صعوبة المسابقة، وتنوعها، فالطريق الذي يقطعه الفريق المتسابق يختلف كل مرة، بحسب الاجوبة المقدمة، والصدفة هي التي تقودهم الى المال او غرف الهلع (كما اطلق عليها البرنامج). كذلك يتميز البرنامج بأن كل حلقة من حلقاته تخصص لفريق واحد يتكون من شخصين تربطهما علاقة اجتماعية في الحياة (كالزواج او القرابة)، كما ان البرنامج يختبر علاقات المتسابقين، ما يزيد عامل الاثارة. استنساخ هذه ليست المرة الاولى التي تنجح فكرة تلفزيونية هولندية حول العالم، فالبلد الصغير في المساحة يملك سجلاً ممتازاً من النجاحات في هذا الجانب. فقبل عامين فقط نجح برنامج مسابقات هولندي آخر حمل عنوان «الهاتف»، في لفت انتباه قنوات عالمية عدة قامت بشراء حقوق تنفيذ حلقات محلية منه. كما تتحضر «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) لتقديم نسخة بريطانية من برنامج اختيار المواهب «صوت هولندا» الذي عرض للمرة الأولى على شاشة قناة تجارية هولندية قبل عامين، لتتبع «بي بي سي»، التي يعرف عنها بأنها لا تحبذ استنساخ برامج قنوات اخرى، خُطى قناة «ان بي سي» الاميركية التي قدمت البرنامج ذاته العام الماضي.