لا بد من الانتظار حتى خريف العام المقبل، لمعرفة نتائج التحقيق الذي تعدّه لجنة مستقلة من داخل هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، لتقويم أداء عمل المؤسسة الاعلامية العملاقة، في تغطياتها ثورات الربيع العربي. التحقيق لم يأت كرد فعل على الانتقادات التي وجهت ل «بي بي سي» في بريطانيا، لتخلفها عن قنوات تلفزيونية بريطانية اخرى في ملاحقة الحدث العربي الكبير، بل هو جزء من استراتيجية تسير عليها القناة منذ سنوات في مراجعة ذاتية لأدائها، وبعد تغطيتها أحداثاً جساماً. وعلى رغم النقد الذي طاول بطء تحرك فرق صحافيي «هيئة الاذاعة البريطانية» في مرافقة الحدث في دول الثورات العربية، والذي دافع عنه مسؤولون في «بي بي سي» بأنه يعود الى رغبة المؤسسة بتأمين حماية كاملة لموظيفها، وأنها لن تقذف بعامليها الى الاخطار من اجل قصة إخبارية مثيرة، إلا ان المؤسسة البريطانية تملك عدداً من الاسباب التي تجعلها تفخر بما حققته في غضون اشهر قليلة، فهي عوضت ندرة «السبق» الصحافي، ببرنامج تلفزيوني معمق، يعد الاول اوروبياً، في استعادته لظروف انطلاق شرارات الثورات العربية الاولى. فبرنامج «كيف غيّر فايسبوك العالم»، والذي عرض في ايلول (سبتمبر) على شاشة قناة «بي بي سي» الثانية، ركّز على دور موقع التواصل الاجتماعي في تلك الثورات، وكيف تحول ساحة، وشفرة سرية للتواصل، تغلبت على مناهج القمع التقليدية للنظم الامنية العربية. كذلك حققت قناة «بي بي سي» العربية نجاحاً لافتاً في تغطياتها للربيع العربي، كما تكشف ارقام المشاهدة في فترة الثورات العربية، والتي اعلنت عنها المؤسسة البريطانية قبل اسابيع. اوروبياً، دفع غياب قنوات إخبارية في دول اوروبية عدة، جمهور الاخبار المتعطش لملاحقة تطورات الثورات العربية على شاشاته المحلية، ومن خلال برامج الاخبار العادية، او تلك الخاصة التي أعدت للمناسبة، وأوفدت قنوات هولندية وبلجيكية وألمانية، مراسلين خاصين، لمساعدة زملائهم الموجودين هناك. بل ان بعض نجوم برامج الاخبار، في برامج مهمة على قنوات اوروبية، والذين لم يعرف عنهم تغطياتهم الإخبارية من مواقع الاحداث الساخنة، توجهوا هم ايضاً الى دول شرق اوسطية من اجل تقديم تحقيقات من هناك. لكنّ المفارقة التي كشفتها تغطيات البرامج الإخبارية الاوروبية للربيع العربي، ان «الصحافي المغامر»، ما زال قادراً على ان يكون نجم الشاشات. وبينما يطوي النسيان ساعات طويلة من تغطيات إخبارية، يبقى مشهد مراسلة قناة «سكاي» الاخبارية البريطانية اليكس كرافورد وهي تدخل على ظهر شاحنة العاصمة الليبية طرابلس المحررة للتو، مشهداً من تلك المشاهد التي قد يحولها الزمن الى أيقونة. 2011، سيكون ايضاً العام الذي يتذكره العالم، بأنه الذي شهد نهاية زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، بعد عملية عسكرية صورت تلفزيونياً لمصلحة ملفات الحكومة الاميركية واجهزتها الامنية فقط، ما اطلق العنان لخيال مخرجي التلفزيون لإعادة تمثيل وقائع العملية، لتعرض بسيناريوات مختلفة على شاشات اوروبية عدة. نهاية بن لادن، والتي صادفت في عام الذكرى العاشرة لتفجيرات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، مهدت لمجموعة كبيرة من البرامج التلفزيونية التي تخص «الحقبة التاريخية» التي اطلقتها تفجيرات مركز التجارة العالمي، والتي قد يمثل عام 2011 نهايتها الشكلية. فمع مقتل بن لادن، والانسحاب الاميركي من العراق، يبقى من نتائج تلك الحقبة المباشرة، الوجود الغربي في افغانستان، والذي خصته «بي بي سي» بسلسلة كاملة من البرامج التلفزيونية بُثت في أب (أغسطس) الماضي، وعرض بعضها جوانب مذهلة، عن تنوع الحياة في البلد المثقل بالمتاعب. كذلك خصص التلفزيون البلجيكي الرسمي برنامج تسجيلي بعنوان «لطخات اسامة» عن الآثار التي تركها تنظيم القاعدة على منطقة الشرق الاوسط والعالم. في حين تناول موسم من البرامج التلفزيونية عُرض على شاشة القناة الهولندية الرسمية الثانية قبل اشهر، الاذى الذي الحقته تفجيرات 11 ايلول بصورة المسلم في اوروبا والولايات المتحدة من دون ان يغفل الأثر الايجابي للثورات العربية، في تقديم بديل، طال انتظاره، لصورة العربي العنيف التي كانت مهيمنة في إعلام العالم الغربي.