ملامح بسيطة وطيبة لأشخاص عاديين قد تلتقيهم في أي من شوارع القاهرة. طُبعت صور هؤلاء على الجدران، تحيط بها من الجانبين رسوم أشبه بخرائط المدن. هؤلاء هم سكان الحارة، جاؤوا من قلب أحياء شعبية فقيرة ليحتلوا أمكنتهم في «قصر الفنون» في القاهرة، المجاور لدار الأوبرا المصرية، كجزء من عمل الفنان أسامة عبد المنعم يشارك به في «صالون الشباب» تحت عنوان «متحف الحارة»، ونال عنه الجائزة الكبرى. ويعدّ «صالون الشباب» من أكثر الأنشطة حضوراً في المشهد التشكيلي المصري، إذ يحتل مكانة خاصة لدى الكثير من النقاد والمهتمين، كونه أحد أهم الأحداث الفنية التي استطاعت، على مدى عقدين، إثراء الحركة الفنية المصرية بمواهب وطاقات مبدعة، يتصدر بعضهم اليوم واجهة المشهد التشكيلي. اعتمد أسامة عبد المنعم في عمله على فكرة التوثيق للأشخاص العاديين، منطلقاً من تجربة حقيقية خاضها قبل أشهر مع مجموعة من زملائه في أحد الأحياء الشعبية على أطراف القاهرة، وهو حي إمبابة، وبالتحديد في «عزبة الصعايدة»، حيث نفّذ مشروع «حكاية جدار» الذي دعا إليه «ائتلاف شباب الفنانين» للمساهمة في تجميل الأحياء الشعبية، واستطاعوا خلال شهر تحويل جدران أحد الشوارع هناك إلى لوحة بانورامية كبيرة. نفذ عبد المنعم مشروعه على جدران حارة صغيرة متفرعة من هذا الشارع، وعلى مساحة تزيد على الثمانين متراً، مستخدماً تقنيات الرسم والطباعة والفوتوغرافيا للتعامل مع جدران الحارة الأسمنتية ذات الملمس الخشن والطبيعة العشوائية. كانت فكرته أن يضع صوراً على جدار الحارة للأشخاص المميزين في الحي، بعدما سجّل شهادات كثيرة حول تاريخ الحي وطبيعة سكانه، إضافة إلى معايشته لهم خلال شهر كامل من خلال تجربة «حكاية جدار». استخدم عبد المنعم صور هؤلاء في جداريته، مضفياً على بعضهم هالةً التي يرى أنهم جديرون بها، بناء على أدوارهم الحياتية ومكانتهم وتأثيرهم في محيطهم. عمله الفائز في «صالون الشباب» مستوحى من هذه التجربة، فهو يتضمن رصداً لحالة الحارة، بما فيها من أشخاص و «بطولات» أفراد، معلناً من خلاله إمكان التأريخ البصري لأشخاص قد يراهم البعض هامشيين. فصناعة التاريخ، بحسب عبد المنعم، لا تنحصر في رجال السياسة أو الحرب، بل هي أيضاً مِلك هؤلاء المهمشين. وهو يستلهم، كما يقول، مجريات الثورة المصرية، والثورات العربية عموماً. فالبطل الحقيقي في الثورة هم هؤلاء الناس. يقول عبد المنعم: «في هذا المشروع رسمت مخطّطات للمدينة على جدران مساحة العرض، كأنك تراها من أعلى. وغالبية تلك الخرائط متخيلة، فقد رسمتُ الشكل الذي أحب أن أرى عليه شوارع وميادين مصر. وفوق هذه الرسوم، وضعت صور الأشخاص الذين التقيتهم في الحارة، إلى جانب فنانين خاضوا معي تجربة حكاية جدار». أسامة عبد المنعم خرّيج قسم الغرافيك في كلية الفنون الجميلة، شارك منذ عام 2002 في العديد من المعارض الجماعية، وحصل على منحة التفرغ للإبداع الفني من وزارة الثقافة المصرية، كما نال جوائز عدة، منها جائزة الأوسكار في مهرجان الإبداع الثالث، والجائزة الأولى للرسم في «صالون الشباب» 2009. وينصبّ معظم أعماله على هموم الإنسان، ورصد حالاته داخل مجتمعه، بما تنطوي عليه من تجليات، كفكرة تشكيل الوعي الجمعي وانتماء الناس وسلوكياتهم وعاداتهم، وكيف تُولّف. وهو يستوعب كل هذا ويصوغه في شكل جمالي مستخدماً الرسم والفوتوغرافيا اللذين يوظفهما عادة في تصاميمه الغرافيكية.