يخيّم شبح أزمة جديدة على العلاقات بين برلينوواشنطن، بعدما اعتبرت الأولى أن «الكيل طفح»، محذرة من «اللعب بنار الصداقة» بين البلدين الحليفين، اثر كشف برلين عن اعتقال عضو في جهاز الاستخبارات الألمانية مُتَّهم بالتجسس لمصلحة الولاياتالمتحدة. وتنكأ هذه القضية جرحاً أحدثته معلومات سرّبها إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي، أفادت بتنصت الوكالة على الهاتف الخليوي للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل وكامل الطاقم السياسي في برلين. وما زالت هذه المسألة تضغط على العلاقات بين البلدين، علماً أن التجسس قضية تمسّ الوعي الجماعي لدى الألمان، بسبب ذكرى ممارسات الشرطة السرية في ألمانيا النازية (غيستابو) وجهاز الاستخبارات في ألمانياالشرقية (شتازي). وتُجمِع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الاتحادي، على أن العلاقات الألمانية - الأميركية ستتعرّض إلى «أضرار ضخمة»، إذا أكدت التحقيقات أن الاتهامات الموجهة إلى العميل المزدوج صحيحة، علماً أنه اعترف بتجسسه لمصلحة الولاياتالمتحدة منذ العام 2012، وتسليمه الاستخبارات الأميركية 218 وثيقة سرية قبض في مقابلها 25 ألف يورو. وترى هذه الأحزاب أن الأمر يؤكد أن واشنطن ليست جدية في تعاملها مع برلين، بوصفها حليفاً موثوقاً. وأظهر استطلاع للرأي نُشرت نتائجه أمس، أن 57 في المئة من الألمان يؤيدون انتهاج بلادهم سياسة مستقلة عن الولاياتالمتحدة. والعميل المزدوج ألماني عمره 31 سنة يعمل في جهاز الاستخبارات الخارجية، وسلّم واشنطن وثائق تتضمّن معلومات عن لجنة شكّلها البرلمان للتحقيق في مزاعم سنودن بتنصت الولاياتالمتحدة على هاتف مركل. وأكد ناطق باسم المستشارة أن «لا استهانة في مسألة تجسس أجهزة الاستخبارات الأجنبية» على ألمانيا، مشيراً إلى أن الحكومة تنتظر نتائج التحقيقات مع العميل المزدوج. وأعرب وزير الداخلية الألماني توماس دي مازيير عن «قلق شديد» من المسألة، مشدداً على وجوب إجراء تحقيق كامل ل «قياس نطاق التجسس المزعوم ومعرفة الضالعين فيه». وأضاف: «أتوقع أن يتعاون الجميع سريعاً، لتوضيح هذه المزاعم، و(أنتظر) تصريحات سريعة وواضحة من الولاياتالمتحدة أيضاً». وكان وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير استدعى السفير الأميركي في برلين، وسلّمه احتجاجاً شديد اللهجة على «التصرّف الأميركي غير الودي» إزاء بلاده، معتبراً أن من مصلحة واشنطن المساعدة «في أسرع توضيح ممكن للحقائق». وهذا الاستدعاء الأول لسفير أميركي، في تاريخ العلاقات بين البلدين الحليفين. وأبلغ تعبير عن غضب ألمانيا، جاء على لسان رئيسها يواخيم غاوك الذي تجاوز الديبلوماسية المعهودة، قائلاً: «أجرنا نقاشاً طويلاً ومكثفاً لمعرفة الحق الذي تسلّحت به الاستخبارات الأميركية للتجسس على أمتنا ودول أخرى». وأضاف: «إذا كانت الاستخبارات الأميركية جنّدت فعلاً رجل الاستخبارات الألمانية، فإن هذا لعب بنار الصداقة والعلاقات الودية القائمة، وعلينا أن نقول الآن وبوضوح: طفح الكيل». ونقل ساسة ورجال أعمال يرافقون مركل في زياتها للصين، عنها أنها تشعر ب «صدمة وخيبة أمل وعجز عن تصديق ما تفعله الاستخبارات الأميركية» إزاء بلادها. ولفت مراقبون إلى أن المستشارة المعروفة بتريّثها في اتخاذ مواقف سريعة، تشعر بعد تصريحات غاوك بأن عليها التعبير عن موقف متشدد إزاء الولاياتالمتحدة. وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي تزور برلين للترويج لكتاب مذكّراتها، تحدثت عن «مسألة خطرة»، معربة عن أملها بألا «تقوّض التعاون الضروري القائم» بين ألمانياوالولاياتالمتحدة. ووصفت مركل بأنها «أعظم قادة أوروبا وقائد عظيم على مستوى العالم»، معتبرة أنها «حملت أوروبا على كتفيها، وهذا ليس سهلاً». تزامنت زيارة مركل بكين، مع تحذير رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني هانز - جورج ماسين من أن «شركات متوسطة ألمانية كثيرة تُعدّ فريسة سهلة» للتجسس الصناعي من أجهزة رسمية صينية.