لا نجادل في اعتبار «الفرجة» ومعها بالتأكيد المتعة ميزة نطلبها من الدراما التلفزيونية، بل إن غيابها سيجعل الدراما مجرّد حكايات ترويها لنا الشاشة الصغيرة بجفاف فيدركنا الملل. هي إحدى ميزات الفن، بل لعلّها أبرزها، إذ نفاضل من خلالها بين عملين قد نشاهدهما حول موضوع واحد. مع ذلك فالفرجة لها في الشاشة الصغيرة شروطها وعوامل تحققها: هل تستوي مشاهدة دراما تلفزيونية تعالج قضايا مجتمع غريب مع تلك التي تتناول هموماً اجتماعية لصيقة بنا؟ وبكلام أكثر تحديداً: هل تنسجم الذائقة العربية مع أعمال درامية غير عربية لها قضاياها المختلفة ومناخاتها الاجتماعية المغايرة؟ لن ننفي بإطلاق، فثمة نجاحات حققتها أعمال درامية غير عربية (مكسيكية وتركية، إلخ...)، لكنها كانت تنجح من باب الفرجة على الجديد في ما يشبه «التلصص» بغاية اكتشاف المجهول، أو لأن معظم تلك الأعمال تناولت حكايات حب رومانسية فقط، إلى حد أنها خلت (تقريباً) من أي قضايا جادة يمكن أن ينشغل بها المشاهد العربي وأن تثير لديه حافزاً للاهتمام الحقيقي. وفي سياق دراما كهذا، هل يمكننا القول أن الدراما على العكس من السينما أقرب الى المحلية، فيما السينما وحدها تتجوّل في القضايا والموضوعات الإنسانية؟ هي أسئلة تحضر مع كل متابعة لنا لأعمال درامية تلفزيونية تصوّر مجتمعات بعيدة لها خصوصياتها التي تنهل منها والتي تجعلنا أمامها أشبه بمن يشاهد من أجل المشاهدة فقط. مع ذلك أعتقد أن الدراما التلفزيونية الحقيقية والناجحة هي تلك التي ينجح صانعوها في التقاط الخيط الرفيع الذي يفصل بين «المحلية» وبين الإنسانية الشاسعة بموضوعاتها وعوالمها، والقادرة بالتأكيد على استقطاب اهتمام البشر من بلدان متباعدة إذا قدمت موضوعات ذات طابع إنساني ذا علاقة بالبشر في مختلف أماكن عيشهم. سؤال المحلية والإنسانية هو بالتأكيد سؤال نسبي يصعب القبض عليه واحتجازه في حيز ضيق، ولهذا سيظل محل جدل وآراء متنوعة بل ومتناقضة، وستظل مع ذلك الجدل مساحات للذائقة الفردية وما تحمله من أمزجة ورغبات لا نستطيع تجاهلها بحال، فالناس كما يقولون في ما يعشقون مذاهب، وهم في ما يشاهدون مذاهب أيضاً.