في حين دخلت الحرب الأهلية في السودان عامها الثالث هذا الأسبوع، تتجه البلاد نحو انهيار إنساني شامل في ظل تصاعد الفظائع، واتساع رقعة المجاعة، واستمرار حالة الانقسام الميداني والسياسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وفيما تُعد هذه الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم اليوم بحسب الأممالمتحدة، لا تلوح في الأفق أي مؤشرات جدّية على قرب التوصل إلى حل سياسي، في ظل الانقسام الإقليمي والدولي والتدهور الاقتصادي المتسارع. وقد عُقد في العاصمة البريطانية لندن مؤتمر دولي، شاركت في استضافته الاتحاد الإفريقي وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، بهدف حشد الدعم الإنساني للسودان. وقف فوري على الرغم من دعوات الاتحاد الإفريقي لوقف فوري لإطلاق النار، شدد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على أن السلام لا يزال بعيد المنال، ويتطلب «دبلوماسية صبورة وإرادة سياسية مفقودة». ولم يُدعَ أي طرف سوداني رسمي لحضور المؤتمر، مما أثار انتقادات الحكومة السودانية، التي اعتبرت غيابها إقصاءً غير مبرر من مسار بحث حلول إنسانية تمس مواطنيها. وتزامنا، أعلنت بريطانيا تخصيص 120 مليون جنيه إسترليني لتوفير الغذاء ل650 ألف شخص، في ظل تحذيرات برنامج الغذاء العالمي من أن نحو 25 مليون سوداني – نصف السكان – يواجهون خطر الجوع الحاد. استعادة رمزية أحرز الجيش السوداني تقدمًا عسكريًا مهمًا، نهاية مارس، باستعادته العاصمة الخرطوم، بعد نحو عامين من سيطرة قوات الدعم السريع عليها. هذه الخطوة التي مهّدت عودة قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، وإعلانه تشكيل حكومة جديدة، لم تكن سوى بداية لمرحلة جديدة من النزاع، مع اتساع رقعة المعارك غرب البلاد وجنوبها. وفي المقابل، تواصل قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تعزيز وجودها في دارفور وكردفان، مما يشير إلى سيناريو شبه تقسيم فعلي للبلاد، وفق ما يؤكده خبراء في الشأن السوداني. ويبدو أن كلا الطرفين عاجز عن تحقيق نصر حاسم، بينما تتضاعف معاناة المدنيين يومًا بعد آخر. مجازر دارفور في مطلع أبريل، قُتل أكثر من 300 مدني بهجوم شنّته قوات الدعم السريع على مخيمي «زمزم» و«أبو شوك» للنازحين في غرب دارفور، وسط حصار كامل يعرقل دخول المساعدات الإنسانية. وتؤكد المنظمات الدولية أن سكان المخيمين، البالغ عددهم قرابة 700 ألف شخص، يواجهون خطر المجاعة الحادة. وشدد مدير منظمة الإغاثة الدولية في السودان، كاشف شفيق، على أن القتال حوّل حياة ملايين السودانيين إلى «كابوس طويل»، داعيًا المجتمع الدولي إلى فرض وقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات. العشب غذاء الناجين وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، باتت المجاعة منتشرة في عشر مناطق على الأقل في شمال دارفور، مع تحذيرات من اتساع نطاقها لتشمل 17 منطقة إضافية. وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في الإقليم، مما يعرقل وصول الإغاثة إلى آلاف المحاصرين. وفي شهادتها من مخيم زمزم، قالت آمنة سليمان، وهي أم لأربعة أطفال، إن العائلات باتت تأكل أوراق الشجر والعشب، للبقاء على قيد الحياة، واصفة المشهد بأنه «خليط من الخوف والجوع وانعدام الأمل». عجز الأممالمتحدة تشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن أكثر من 25 مليون سوداني – أي نحو 55 % من السكان – يعانون الجوع، بينما يواجه 638 ألف شخص خطر الموت جوعًا. ويعاني نحو 3.6 مليون طفل سوء تغذية حادا يهدد حياتهم. وعلى الرغم من ذلك، لم تحصل وكالات الإغاثة إلا على 6.3 % فقط من التمويل المطلوب للعام 2025 وفقًا لتصريحات منسقة الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، التي أكدت أن حجم الاحتياج يفوق كل ما شهدته السودان في العقود الأخيرة. اقتصاد منهار وأوبئة قاتلة خلال عامين من الحرب، انخفض الناتج المحلي السوداني 40%، وتراجعت فرص العمل إلى النصف، بينما أفادت نسبة كبيرة من الأسر في المناطق الحضرية بعدم وجود أي دخل. إلى جانب ذلك، يعاني السودان تفشيا متكررا للكوليرا والملاريا وحمى الضنك، كان أحدثها في مارس، حيث أودى تفشي الكوليرا بحياة نحو 100 شخص في ولاية النيل الأبيض، مما يفاقم من هشاشة النظام الصحي، ويهدد بانهيار كامل للبنية التحتية الطبية. عودة بلا مأوى على الرغم من الدمار، عاد نحو 400 ألف شخص إلى مناطقهم في الخرطوم وولاية الجزيرة، بعدما استعادها الجيش. لكن معظمهم وجدوا منازلهم مدمرة أو منهوبة، ويعتمدون على تبرعات محدودة من جمعيات أهلية. وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على الحرب، لا يزال السودان رهينة صراع دموي بين قوتين لا تملكان الإرادة السياسية لإنهائه، بينما يُترك ملايين المدنيين بين سندان النزوح ومطرقة الجوع والموت. 1. عام ثالث من الحرب: اندلاع النزاع في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع. 2. استعادة الخرطوم: الجيش استعاد العاصمة لكن الحرب امتدت إلى دارفور وكردفان. 3. مجازر ومجاعة: مقتل 300 نازح في دارفور وانتشار المجاعة في 10 مناطق. 4. كارثة إنسانية: أكثر من 25 مليون سوداني يعانون الجوع. 5. اقتصاد منهار: الناتج المحلي انخفض %40، وملايين بلا دخل. 6. أوبئة قاتلة: تفشي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك. 7. انقسام فعلي: مناطق تسيطر عليها الدعم السريع وأخرى تحت سيطرة الجيش. 8. تمويل دولي محدود: %6.3 فقط من المساعدات المطلوبة وصلت. 9. العودة إلى الخرطوم: مئات الآلاف عادوا ليجدوا منازلهم مدمرة.