ترك الدعم التركي للسياسة الغربية والاميركية في تغيير نظام الرئيس السوري بشار الأسد، اثره في التعاون الإيراني - التركي في مجال الامن والسلام الاقليميين. وأخطأت الدول الغربية وتركيا حين اجبرت ايران علي السير في اتجاه يتعارض مع المصالح الجيوسياسية الاقليمية، وحملتها على النظر الى التغيير في سورية على أنه تحد. وشجّع الغرب الخليج وإسرائيل على المشاركة في تشديد الخناق علي ايران لتغيير سياستها الاقليمية وسياستها النووية. وحاول اللاعبون المنافسون الإيحاء بأن ايران هي المعارض الابرز للإصلاحات في سورية، وسعوا الى التصدي ل«النفوذ الايراني المتعاظم» في المنطقة، ما حمل طهران علي التصدي للخيار الغربي والعربي الساعي الى تشكيل حكومة سورية موالية له، فأيدت نظام الأسد. ويستهدف التنافس التركي - الإيراني في سورية المصالح الجيوسياسية الايرانية، وهذه قوامها دعم التحالفات مع الجماعات والدول الصديقة في المنطقة. وعدلت تركيا عن سياسة «تصفير المشكلات» مع دول الجوار، والتزمت مواقف مختلفة عن الموقف الايراني، ما يؤثر في توازن القوي في المنطقة. وشأن غيرها من اللاعبين، تنظر طهران نظرة واقعية الى مستقبل التغيير في سورية، وتسعي للحفاظ علي توازن القوي ودعم تيار المقاومة. وتتعاون معها روسيا لتعزيز دورها الاقليمي في مواجهة الغرب الذي ينصب الدرع الصاروخية في الاراضي التركية. وحدود التقاطع الجيوسياسي التركي - الإيراني في سورية هي «التدخل العسكري» التركي والغربي في الشأن السوري، علي رغم عجز أنقرة عن تسويغ تدخلها العسكري أمام شعبها. وإمكان الهجوم العسكري «الأطلسي» على سورية من غير مساعدة تركيا ضعيف. واندلاع حرب في الشرق الاوسط من غير حيازتها شرعية دولية وقبول الرأي العام الاقليمي، هو كارثة للدول الغربية. بعض وجهات النظر الغربية يصوّر الامر وكأنه انتصار لتركيا وهزيمة لإيران، مستنداً في ذلك الي النموذج الاسلامي التركي الذي يلقي ترحيباً في العالم العربي، في وقت يتقاطع النموذج الايراني الايديولوجي مع ظروف «الربيع العربي». لكن الواقع يدل الي ان الدورين الايراني والتركي لم يستكملا بعد، وهما رهن سياساتهما في المنطقة، وفي سورية تحديداً، ومقدار انسجامهما مع مطالب الشعوب العربية. وأثبتت التجربة ان العالم العربي يرفض نموذج «الاخ الاكبر» ونموذج العلمانية التركية، على حد سواء. وتعارض الاوساط السياسية العلمانية التركية الضلوع بالتطورات العربية، وترى انه يتجاوز الامكانات السياسية والايديولوجية والاقتصادية التركية. وبعض الاطراف العربية يرحب بالنموذج التركي، لكن التيارات الايديولوجية في المنطقة تعارضه. تقف ايران الي جانب «الربيع العربي» الذي تري فيه وجهاً من وجوه مقاومة الاستبداد، وأعلنت موقفها هذا في المؤتمرات التي عقدتها في طهران عن مفهوم «الصحوة الاسلامية» الذي يساهم في توعية الشعوب في اطار النفوذ السياسي الايديولوجي المتعاظم لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية. لكن التنافس الأبرز بين ايران وتركيا ليس مداره ارساء نموذجيهما في المنطقة وانما توازن القوي فيها. ولا يخدم سعي الدول الغربية الى اعادة صوغ العلاقات الاقليمية الامن والسلام في المنطقة. والاوضاع الجديدة في المنطقة تؤثر في مجمل الاوضاع، ومنها الامن والاستقرار في العراق وأفغانستان. لذا، لم تتعاون ايران مع مؤتمر اسطنبول الاخير عن أفغانستان. والتعاون الإيراني - التركي لحل الازمة السورية يخدم الامن والسلام الاقليميين. وحريّ بتركيا الاعلان عن رفضها الخيار العسكري في سورية. وترمي ايران الى حمل الرئيس الأسد على اجراء اصلاحات حقيقية وانتخابات حرة، وإرساء حل سياسي للأزمة السورية يرضي جميع الاطراف المعنية بالملف السوري. * مدير معهد الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية في طهران، عن موقع «دبلوماسي ايراني» الايراني، 29/11/2011، اعداد محمد صالح صدقيان