أصدر الأديب حمد القاضي كتاباً جديداً بعنوان «قراءة في جوانب الراحل غازي القصيبي الإنسانية» الصادر عن دار القمرين. ويذكر القاضي أنه أقدم على إصدار هذا الكتاب، الذي هو عبارة عن محاضرة قدمها عقب رحيل القصيبي في نادي المدينةالمنورة الأدبي، لأسباب عدة، «منها رغبة الكثيرين من محبي القصيبي أن يكون هناك ما يوثق اثر الرجل، الذي ترك أثراً لا ينسى في ذاكرة الوطن، وليبقى أمام الجيل الجديد كتاب يوثق صورة الوزير الإنسان. وسبب آخر هو أن الناس عرفوا الدكتور القصيبي وزيراً وسفيراً وأديباً واقتصادياً وسياسياً، ولكن الكثيرين لم يتعرفوا إلى تفاصيل القصيبي «الإنسان» حين كانت تفيض دمعته وتسهر مقلته ويسخر جل وقته لمؤازرة محتاج وإغاثة ملهوف ومسح عبرة يتيم أو معاق. إضافة إلى سبب أخير وهو أن القصيبي بين يدي خالقه الآن، وبقدر ما عطر ذاكرة الوطن بأعمال ومنجزات، فهو أحوج ما يكون الآن لدعوة صادقة في جنح الليل، وما يحفز إليها هو أن نتذكر أعماله الإنسانية والخيرية». في مقدمة الكتاب تساءل القاضي: لماذا لم يظهر الجانب الإنساني في حياة القصيبي؟، موضحاً أنه على رغم أنه قد ولي العديد من الحقائب الوزارية والمناصب الديبلوماسية، «لكنه بقي غازي الإنسان الذي لم يتبدل أو يتغير ولم تشغله الحقائب أو الكراسي عن رسالته الأولى بوصفه إنسان»، مشيراً إلى العديد من المواقف الإنسانية المتعاطفة، والمبادرات التي كان يحرص كل الحرص على ألا يعلن عنها. واستطاع القاضي على رغم صغر حجم الكتاب أن يذكر العديد من المواقف التي عايشها بنفسه أو التي ذكرها له أصدقاء مشتركون، أو شهداء حق في المواقف الخيرة التي كانت نابعة من هذه الشخصية الكريمة، إذ يذكر أحدهم أنه يرغب في أن يعلن للإعلام عن إحدى مبادراته الشخصية، ولكنه قال له: «يفرح الواحد منا إذا وفق لمثل هذا الصدقة، ثم تريدني أن أحرق ثوابها بوهج الإعلام ؟» وفي كل جانب من جوانب العمل في مسيرته الوظيفية، أورد القاضي موقفاً له بكل تفاصيله، وكلها مواقف تدل على نبل أخلاق القصيبي في عمله الإداري ومحاربته للبيروقراطية وتفويضه للسلطات ومتابعتها بدقة، ومنحه للحوافز المادية والمعنوية للعاملين معه، على رغم حزمه ومحاسبته للجميع، وقيامه بالزيارات المفاجئة للعديد من الجهات التي كان يديرها للوقوف بنفسه على قطاع الخدمات، التي تعنى بحياة المواطنين مباشرة، كما فعل بقطاع الصحة الذي طوره بشكل كبير وقضى على جوانب الخطأ والتسيب الذي اكتشفه بنفسه في زياراته. وحاول القاضي ألا يترك جانباً إنسانياً من دون ذكره، مشيراً إلى أن قصيدة القصيبي التي أهداها لابنته يارا، كانت نتيجة سؤال من يارا التي تسأله بعتاب طفولي بأنها لا تراه، فقال مخاطبها: يا أجمل الحلوات.. يا حلوتي/ يا نشوتي الخضراء ..يا كوكبي/ أبوك في المكتب لمٌا يزل/ يهفو إلى الطٌيب والأطيب/ يصنع حلماً، خير أحلامه/ إن يسعد الأطفال في الملعب/ من أجل يارا ورفيقاتها/ أولع بالشغل ..فلا تغضبي». وتطرق القاضي إلى غازي الوزير في الصحة والكهرباء والماء والعمل وفي عمله سفيراً للوطن في البحرين وبريطانيا. وذكر الكثير من القصص والروايات التي تناقلها الجميع عن إنسانية غازي. توقف عند نجاحاته في كل منصب تولاه أو تقلده، مع مرضى أو مراجعين أو أصحاب حاجة، وبخاصة من كبار السن أو ذوي الاحتياجات الإنسانية، وعن مواقف رائعة له مع زملائه من المستخدمين والمراسلين، وعن دوره مع ذوي الاحتياجات الخاصة من المعوقين إذ كان وراء فكرة إنشاء جمعية الأطفال المعوقين. سرد القاضي العديد من القصص والحكايات التي رويت له أو عايشها مع أصدقاء ومعارف أو عاملين بصحبة الوزير الراحل. وختم القاضي كتابه بموقف أبكى الوزير ولم يهنأ له بال حتى تم ما أراد، حين بكى من مناظر شاهدها في مستشفى الولادة بالمدينةالمنورة، والتي وجد أوضاعه مزرية على مستوى النظافة والصيانة والخدمات، وحين استمع لشكوى المريضات بكى وتأثر ولم يخرج من المستشفى إلا بعد أن أمن نقلهن إلى مكان آخر، حتى ينتهي بناء مستشفى جديد وتم ذلك خلال أيام وجيزة. رحمه الله حين قال: وإن سهرت مقلة في الظلام/ رأيت المروءة أن أسهرا».