تأليف: الأديب/ حمد بن عبدالله القاضي قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - الأديب المتأدب الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي - قضى له المولى جلَّ في عُلاه بالعافية والدوام - يرصد مواقف معالي الوزير الدكتور/ غازي بن عبدالرحمن القصيبي - أسبغ الله على روحه الطاهرة شآبيب المغفرة والرحمة والرضى والرضوان - هذه المواقف هي مواقفه الإنسانية الخالدة، وقد كتب هذا الكتاب الفريد ليتحدث عن القصيبي الإنسان لا القصيبي الوزير والسفير الإداري، فلله درُّ الكاتب، ولله درر المكتوب عنه. ومشمعل أخو عزم يشيعه قلبٌّ صرومٌ بعزم ما همَّ لم يهب لله طلاّب أوتار أعدَّ لها سيراً حثيثاً بعزم غير مؤتثب كتب أستاذنا القاضي هذا الكتاب بعاطفة محبة ولِعة جيّاشة صادقة كل الصدق، وهل في الدنيا أجمل من حديث المتحابين في الله؟ وهل هناك أصدق حديثاً من الحديث عن الموتى؟ وذلك حينما لا ترجى الفائدة والمنفعة والعود الحميد إلا من الله عزَّ وجلَّ. ومن عجب أني أحن إليهم فأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي وما أجمل ترنيمة ذلك الشاعر، حينما عزف على سيمفونية الشعر قائلاً: فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاق يقول المؤلف في ناصية الكتاب: (ما كنت أنوي طبع هذا الكتاب، أو بالأحرى هذا «الكتيب» الذي هو بالأصل محاضرة ألقيتها في نادي المدينة الأدبي في الشهر الثاني لرحيل د. غازي القصيبي إلى رحاب ربه - رحمه الله - في 5 رمضان 1431ه، وقد نُشرت مقاطع ومختصرات منها بالصحف بعد إلقائها، لكن ما حفزني الرجوع إليها والإضافة عليها وطبعها في كتاب مقروء ثلاثة أسباب: الأول: رغبة عدد من محبي الفقيد توثيقها في كتاب يكون أمام محبيه وأمام الجيل القادم. الثاني: إن الناس عرفوا د. غازي القصيبي وزيراً وسفيراً وأديباً واقتصادياً وسياسياً إلى آخر صفاته ومسؤولياته، ولكن قليلاً منهم عرفوه «إنساناً» تفيض دمعته وتسهر مقلته ويسخِّر الكثير من جاهه ووقته لمؤازرة محتاج وإغاثة ملهوف ومسح عبرة يتيم وإقالة عثرة معاق. وثالث الأسباب: أن غازي القصيبي أفضى إلى خالقه وبقدر ما سيبقى ذكره عاطراً بمنجزاته الإدارية والأدبية فهو أحوج ما يكون الآن إلى دعوة صادقة في جنح ليل). لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور تضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي إذا شكت من كلال السير أو عدها روح اللقاء فتحيا عند ميعاد والذي يلفت النظر ويدعو إلى الإمعان في هذا الكتاب هو إنسانية القصيبي المتناهية الرقيقة، ودمعته المهراقة، وعبرته الرقراقة، هذه العاطفة هي سر نجاحه في كل عمل تولاه، وهي النية الصافية الخالصة التي عالج بها كثيراً من القضايا الوزارية، والأعمال الإدارية، والمشاكل الاقتصادية، والأمور السياسية، والنواحي الاجتماعية، في جميع المناصب التي شغلها وترأسها، على تباين أنواعها، وتشاكل أصنافها أليس هو القائل: وإن سهرت مقلة في الظلام رأيت المروءة أن أسهرا ثم هو يقول لابنته «يارا» حينما انشغل عن براءتها الطفولية بعمله في وزارة الصحة: يا أجمل الحلوات يا فرحتي يا نشوتي الخضراء يا كوكبي أبوك في المكتب لم يزل يهفو إلى الطيب والأطيب يصنع حلماً خير أحلامه أن يسعد الأطفال في الملعب من أجل يارا ورفيقاتها أولع بالشغل فلا تغضبي وقد كشف القاضي في هذا الكتاب عن العواطف الإنسانية التي يحملها القصيبي بين جوانحه، حيث تعرض لصوره الإنسانية، التي أظهرت الأسس النفسية التي تبين ما تنطلي عليه شخصية القصيبي من تهذيب خلقي نفساني، ولنترك المجال للمؤلف ليحكي لنا موقفاً من هذه المواقف فيقول - حفظه الله -: (يروي د. حمد الماجد - مدير المركز الإسلامي ببريطانيا سابقاً - فيما نشره بمقالة «شاهد على عصر القصيبي» الشرق الأوسط 13 رمضان 1431ه بقول الكاتب: «رن جرس هاتف مكتبي في المركز الإسلامي بلندن وإذا هو سفيرنا في لندن حينها الدكتور غازي القصيبي، قال لي: «للتو جئت من الكويت بعد أن كرموني هناك ومنحوني جائزة تقديرية ومبلغ ثلاثمائة ألف ريال، وأريد أن أتبرع به لصالح المكتبة التابعة للمركز، فقط أرجوك «يبو معتصم» لا تخلي المبلغ يضيع في متاهة نفقات المركز الإدارية، أريده للمكتبة والمكتبة فقط، ولك بعدها أن تتصرف في شراء الكتب التي تريد». شكرته ودعوت الله أن يتقبل منه، طلب مني حطاب العنزي، المدير السابق لمكتب وكالة الأنباء السعودية، أن أستأذن القصيبي في نشر الخبر، فوافقت، وفي أحد لقاءاتي الخاصة بغازي نقلت له رغبة الوكالة في نشر الخبر، فحانت منه التفاتة سريعة إليّ وكأنما فاجأه العرض، وقال لي: «يا حمد، يفرح الواحد منا أنه وفق لمثل هذه الصدقة، ثم تريدني أن أحرق ثوابها بوهج الإعلام؟ انس الموضوع» فنسيناه، لكنه راح عند من لا يضل ولا ينسى). ومواقف الكتاب الإنسانية مواقف جادة صادقة صريحة، لا تعرف الرياء وحب البروز والسمعة والثناء، بل هي تنم على ما يتسم به ضمير القصيبي من إخلاص وحياة ويقظة، هذا وقد عرض الكتاب عدة مواقف كانت في غاية المتعة والتأثير. رحم الله القصيبي وأسكنه فسيح جنانته، وعريض جناته.