سعد البازعي: كاتب أقرب إلى السيف - اليوم ونحن نودع راحلاً كبيراً آخر تفاجئنا المصيبة كما اعتادت المصائب وكما اعتدنا الاستغراب، خاطفة هي وغير مهيئين نحن، تماماً كما قال المتنبي: «كأن الموت لم يفجع بنفس - ولم يخطر لمخلوق ببال». عرفت عبدالكريم الجهيمان في ثلاث محطات مهمة بالنسبة لي: عرفته وأنا تلميذ في الابتدائية أقرأ على أقراني من الصغار بعضاً من الأمثال الشعبية في كتابه الشهير. ثم عرفته وقد دخلت الجامعة. وأخيراً عرفته وأنا أحاول التعرف إلى ملامح الثقافة المحلية التي كان الجهيمان مشاركاً فذاً في حفظها وصوغ المعرفة بها. كانت علاقتي به باحثاً يحاول السير على خطاه في دراسة الموروث الشعبي والكتابة عنه، فاتضح لي أنه رائد مبكر لما أسماه أستاذي الآخر، عبدالله نور رحمه الله، «ثقافة الصحراء» الذي التقطته وسرت به في طريق آخر كما أظن. وما أظنني الآن إلا رجلاً يحاول الإفادة المرة تلو الأخرى من منجز عبدالكريم الجهيمان، الرجل الذي أتمنى رؤية اسمه لا على شارع في الرياض فحسب وإنما على مركز أبحاث للثقافة الشعبية أو الموروث الشعبي. عبدالعزيز السبيل: رواد في شخص - عبدالكريم الجهيمان مجموعة رواد في شخصية واحدة، بين التعليم والصحافة والتأليف تتوزع اهتماماته الكثيرة، لعل أبرز هذه الاهتمام لا يشترك فيها معه أحد، وتمثل اهتماماً مبكراً جداً، هو كتابه الموسوعي «الأساطير الشعبية». صدر هذا الكتاب في زمن لم تكن الثقافة تهتم بهذا الجانب، باعتبار أن الثقافة نخبوية. لذا، فقد حفظ عبدالكريم الجهيمان جزءاً مهماً من التاريخ الشفوي، عبر هذه الحكايات الشعبية والأساطير الاجتماعية. وحياة الجهيمان عبر مراحلها المختلفة، بين الإبداع والريادة والسجن، تمثل في مجموعها حياة تقترب من الأسطورة. ولو قيض لهذه الحياة مخرج مميز فيمكن أن يخرج منها فيلم سيؤرخ لفترة طويلة من تاريخ الجزيرة العربية، عبر شخصيات عبدالكريم الجهيمان. معجب الزهراني: رائد إصلاحي كبير - عبدالكريم الجهيمان رائد من رواد الثقافة الإصلاحية الحديثة في المنطقة الوسطى، ثم في عموم المملكة العربية السعودية. وحين ألحقت صفة الإصلاحية بالثقافة فإنني أريد التركيز على هذا النمط من الوعي الذي يحترم الإنسان فرداً ومواطناً، ويدفع إلى العمل بكل جهد ممكن نحو تعزيز حرياته وحقوقه. فنحن أمام واحد من جيل الرواد، الذين كان بعضهم يحسب أن الثقافة هي مجموعة معلومات أو قصائد يحفظها وأخبار ينثرها في كتاباته ومجالسه، وفي مقابل هذا النموذج التقليدي نجد النموذج الذي يمثله عبدالكريم الجهيمان وينتمي إليه. كتبت عن رحلته إلى باريس قبل أن أسعد بمعرفته فوجدته في هذا النص المبكر، ولعله الأول في أدبنا الذي يكتب عن الغرب، وإن نشر في فترة متأخرة، وجدته مسكوناً بهذا الهاجس الإصلاحي النبيل، وكأنه يحقق مقولة محمد أركون حينما أشار ذات يوم إلى أن أي مثقف عربي يرحل إلى الغرب فإنه لا يعود إلا مسكوناً بهاجس إصلاحي ما. وكلما اقتربت منه اكتشفت أن سلوكه الأخلاقي والعملي هو تمثيل حي لتلك الشخصية الواعية الملتزمة التي أشرت إليها من قبل، فهو محب كبير للإنسان وللوطن وهو لم يمارس قط أي شكل من أشكال الكذب والنفاق والمداهنات في سبيل مصلحة شخصية له. عبدالله الغذامي: شبيه الجاحظ والأصفهاني - تمتع بنعمة من الله في مديد من العمر وبعمق عمل اتصلت حياته. وأرقى ما أنجز شيئان: الأول تدوين الذاكرة الشعبية، وهو عمل يشبه ما فعله الجاحظ والأصفهاني في العصر العباسي، وعمل مثله الجهيمان في زمننا هذا، إذ جمع الحكايات الشعبية من مظانها كلها بخمسة مجلدات. والشيء الثاني أنه كان في حيرة، هل سيجعلها بالعامية كما سمعها أم يكتبها بالفصحى؟ لغة المثقفين، وكان سيكون أميناً في الأولى، لكن دائرة الاستقبال ستضيق جداً بالعامية، أو يكتبها بالفصحى ويكون في ذلك تصنع، لذلك اختار خطاً وسطاً إبداعياً ومذهلاً، وهو اختياره نوعاً من اللغة أسميه الفصحى المحكية، وهي تشبه لغة كتاب «ألف ليلة وليلة. هذان إنجازان سيجعلان الجهيمان يزداد أهمية وترسخاً مع مرور الزمن، خصوصاً حينما ينسى الناس نسياناً كاملاً مرحلة تلك الحكايات وحضورها في المجالس، تماماً كما نقرأ الأغاني وكتب الجاحظ، وألف ليلة وليلة، وكأننا في بغداد العباسية، والقاهرة المملوكية. هذا هو الجهيمان الباقي في الذاكرة.