منذ اندلاع «ثورة 25 يناير» وميدان التحرير هو محور الحدث في مصر، خصوصاً حين تغلقه الاعتصامات المتكررة منذ تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك. وظلت أنظار العالم معلَّقة بالميدان طوال الأسبوع الماضي بعد أن كاد يشعل شرارة ثورة ثانية للمطالبة بتسليم المجلس العسكري السلطة للمدنيين، لكنه توارى أمس خلف مشهد الانتخابات البرلمانية التي شهد التصويت فيها إقبالاً غير مسبوق. وخلا الميدان من آلافه أمس، واكتفى بضع مئات بالتجمع فيه، وظلوا يهتفون: «يسقط يسقط حكم العسكر»، لكنهم بدوا محبطين من قلة العدد. وكان التوتر سمة ضيوف الميدان أمس، فحلقات النقاش المنتشرة شهدت خلافات حادة: بعضهم يرى أنه لا جدوى من المطالبة بنقل السلطة، فيما العملية الانتخابية بدأت عجلتها في الدوران، وآخرون يردون بأن المجلس العسكري لم ينفِّذ رغبات الميدان في نقل السلطة للمدنيين، واختار رئيس وزراء من نظام مبارك، ويشككون في نزاهة انتخابات تجرى تحت حكم عسكري. وبين الرأيين فريق ثالث رأى ضرورة التصويت في الانتخابات واستمرار الاعتصام كي يكون أداة ضغط لإجبار العسكريين على تسليم السلطة. هؤلاء قسَّموا أنفسهم إلى مجموعات تذهب بعضها للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات وتعود لتهب مجموعة أخرى، فهم لا يرون غضاضة في المشاركة في العملية السياسية مع استمرار الاعتصام، على اعتبار أن لا مشكلة معهم في انتخاب برلمان جديد، ولكن أزمتهم مع السلطة التنفيذية ممثلة في المجلس العسكري. ومع انتشار إشاعات عن أن الشرطة تعتزم استغلال انشغال القوى السياسية بالانتخابات لاقتحام الميدان وفضِّ الاعتصام بالقوة، انتشرت آلاف الدعوات على موقع «فايسبوك» تناشد الشباب النزول إلى الميدان لحمايته من «الهجوم المرتقب»، ما دعا وزارة الداخلية إلى نفي الأمر، معتبرة أن هذا الحديث «مجرد إشاعات لا أساس لها، وتهدف إلى تعكير صفو المناخ الانتخابي». وناشدت الشعب «عدم الانسياق وراء تلك الإشاعات المغرضة، والاهتمام بالمشاركة الإيجابية في العملية الانتخابية، تعميقاً للممارسة الديموقراطية». وعند أطراف الميدان، انعكست حال الإحباط التي أصابت المعتصمين على اللجان الشعبية المكلفة بعملية التأمين، فأفرادها القائمون على عملية تفتيش المارة يمنعون دخول أي ملصقات أو دعاية انتخابية إلى الميدان، وهو ما سبب شجاراً بين أحد أعضاء اللجان ويدعى أحمد بركات وفتاة من أنصار مرشحة في الانتخابات بعد أن قام الأول بإلقاء ملصقات انتخابية في حوزة الثانية على الأرض. وقال بركات ل «الحياة»: «لا نريد استغلال الميدان في الدعاية الانتخابية، ومن يريد أن يذهب إلى هذه العملية الهزلية لا نمنعه، لكن لا نريدهم أن يأتوا إلينا». واعتبر أن الانتخابات «محاولة للقول بأن هناك عملية سياسية تجرى لنقل السلطة، لكن هذا غير صحيح، فالسلطة ستظل في يد المجلس العسكري حتى بعد تشكيل البرلمان». أما في شارع محمد محمود المطلّ على الميدان والمؤدي إلى وزارة الداخلية والذي شهد اشتباكات دامية على مدار خمسة أيام بين الشرطة والمتظاهرين وشوارع أخرى قريبة من مقر الوزارة، فشهدت لجان الانتخابات فيها إقبالاً متوسطاً من الناخبين بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضت في هذه الشوارع والتعزيزات الأمنية التي تكفل بها الجيش.