إذا كان المصريون نجحوا في إزاحة النظام السابق، فإنهم على وشك مواجهة أول اختبار حقيقي في علاقتهم بالديموقراطية، حين يذهب ما يناهز نصف الشعب المصري إلى الاقتراع لاختيار أول برلمان بعد الثورة في انتخابات تنطلق أولى مراحلها غداً (الإثنين)، فيما لا يزال قطاع عريض من المصريين يجد صعوبة في فهم النظام الانتخابي الجديد الذي يجمع بين القوائم النسبية والمقاعد الفردية. وتعتبر نسب المشاركة «أهمَّ الرهانات»، الأمر الذي دعا المجلس العسكري إلى تمديد فترة التصويت إلى يومين في كل مرحلة بدلاً من يوم واحد. وإذا كانت نتائج الانتخابات طيلة العقود الماضية تم تزويرها وفقاً لإرادة الحاكم، الأمر الذي تسبب في إحجام شريحة واسعة من المصريين عن المشاركة، فإن ثمة معضلات جديدة تبرز في الوضع الجديد، أولها صعوبة فهم النظام الانتخابي الجديد، الذي يجمع بين القوائم النسبية والمقاعد الفردية، علماً بأن نحو 42 في المئة من الشعب يعاني الأمية، إذ إن الانتخابات كانت تجري في السابق وفق النظام الفردي. قوى إسلامية فطنت، على ما يبدو، إلى تلك العوائق التي تواجه البلاد وهي تتحسس خطاها الأولى نحو طريق طويل للتحول إلى الديموقراطية، إذ انتشرت مجموعات من الشباب في الشوارع والأحياء الشعبية توزع المناشير التي تدعو المصريين إلى «ترك السلبية القديمة والتفاعل مع الأحداث التي تمر بالبلاد»، الأمر الذي لا يخلو من مصالح انتخابية، فمقابل شرح سريع للنظام الانتخابي وكيفية التصويت، كذلك التبرع بالبحث عن اللجنة الانتخابية المقيد فيها اسم الناخب، يتم منحه ملصقات أو مناشير تتضمن قائمة مرشحي حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين». أما حملات «طَرْق الأبواب»، فهي سمة أساسية في الدعاية الانتخابية، فلا تفاجأ عندما تجد أحد الشباب طليق اللحية يطرق بابك ليواجهك بالسؤال: «هتروح الانتخابات الإثنين؟»، وأياً يكن الرد، سواء ب «نعم» أو «لا»، تجده يسارع بالعرض: «تحب أعرفك إزاي تنتخب؟ ممكن أساعدك في الوصول إلى لجنتك الانتخابية؟». وبعد الانتهاء من شرح سريع لطريقة الاقتراع يخرج الشاب من حقيبة يده منشوراً للدعاية الانتخابية لأحد الأحزاب الإسلامية التي خرجت في أعقاب الثورة، مثل «الحرية والعدالة» أو «النور» السلفي أو «البناء والتنمية» الذراع السياسية ل»الجماعة الإسلامية». معضلة أخرى تواجه السلطة والقوى السياسية على مختلف انتماءاتها تكمن في «الهاجس الأمني»، إذ يعتري الناخبين مخاوف جمة، كون ذهابهم إلى صناديق الاقتراع قد يعرض حياتهم إلى الخطر، الأمر الذي دعا قوى ليبرالية إلى المطالبة بإرجاء تنفيذ المرحلة الأولى من الانتخابات. لكن الإسلاميين ظلوا على إصرارهم في ضرورة تنفيذ الاستحقاقات في مواعيدها المقررة سلفاً، وأعلنوا استعدادهم ل «تشكيل فرق من الشباب تقوم بحماية اللجان الانتخابية ضد أي محاولات لتعطيل عملية الاقتراع». طرح الإسلاميين لاقى ترحيباً من بعض الشباب غير المنتمين إلى تيارات سياسية، الذين أبدوا استعداداً للانخراط ضمن تلك المجموعات، كما لاقى ترحيباً من جهة السلطات الأمنية على حد سواء. وإذ أكد نائب مدير إدارة الإعلام في وزارة الداخلية المصرية اللواء هاني عبد اللطيف، على قدرة الشرطة بالتنسيق مع قوات الجيش على تأمين عملية الاقتراع، عوَّل أيضاً على وعي المصريين في خروج هذا الاستحقاق بسلام»، وقال في تصريحات ل «الحياة»: «نرغب في إنهاء ثقافة الدولة البوليسية لدى الشعب المصري. قوات الأمن والقضاة لهم دور في الانتخابات، لكن المواطن أساس النجاح». وشدد مصدر عسكري على إصرار المجلس العسكري على إنجاح الانتخابات، وقال: «تم وضع خطة أمنية محكمة وغير مسبوقة لتأمين الانتخابات البرلمانية، تتضمن تأمين الدوائر الانتخابية من الداخل والخارج بمشاركة إدارات القوات المسلحة كافة، ومن خلال الوجود المكثف لقوات مكافحة الشغب، وأيضاً قوات الشرطة المدنية التابعة لوزارة الداخلية، منبهاً الى ان اي تجاوز من جانب جماعات البلطجة ومثيري الشغب سيقابل بحزم، حفاظاً على سير العملية الانتخابية.