رد سياسي لبناني شمالي على سؤال عن المهرجان الذي سيقيمه اليوم «تيار المستقبل» في مدينة طرابلس شمال لبنان قائلاً: وماذا بعد المهرجان؟ والتساؤل مرده الى الحيرة الكبرى التي شابت أداء «تيار المستقبل» في المرحلة السابقة ف «المستقبل» الذي أُقصي من السلطة على نحو مأسوي بعد فوزه في الانتخابات، شاب غيابَه بعد كربلائي تفاوت بين حرد رئيسه وقصور ماكينته النيابية والسياسية عن استيعاب ما جرى. اليوم يبدو ان «المستقبل» قرر ان اللحظة مواتية للاستيقاظ، والمعطيات اللبنانية تؤشر الى أننا أمام انعطافة لبنانية غير واضحة الوجهة. انتفاضة سورية تدفع كل يوم بمزيد من اللاجئين من الأهالي والمعارضين الذين يصلون الى مناطق نفوذ «تيار المستقبل» في شمال لبنان وبقاعه، والى بيروت أيضاً. وحكومة لبنانية موالية لسورية تترنح تحت عبء ملفات كثيرة متصلة كلها بالحدث السوري، بدءاً بملف تمويل المحكمة الدولية، مروراً بجشع الشريك الكبير فيها تيار ميشال عون، وصولاً الى قضية ملاحقة ناشطين ومواطنين سوريين من جانب الأجهزة الأمنية الرسمية... وانقسام داخلي حاد يغذيه ارتباط قوى لبنانية بالنظام السوري، لعل من أبرز صوره تفاوت المشهد بين بلدة عرسال البقاعية التي هبت لنجدة سوريين نزحوا إليها وحاولت دورية من الجيش اللبناني اعتقالهم، قام الأهالي بمنعها وبإحراق آلياتها، وبين انتشار كثيف ومستجد لصور الرئيس السوري بشار الأسد في مناطق نفوذ «حزب الله» وحركة «أمل». اذاً، نحن في لحظة شقاق أهلي وسياسي واضح وغير بارد. وفي ذروته قرر «تيار المستقبل» ان يستيقظ، او هذا ما يمكن افتراضه. الملفات أمام الرجل المستيقظ لتوّه هي: الانتفاضة السورية، وتمويل المحكمة الدولية، والعلاقات مع الجماعات الأخرى اللبنانية. واضح أولاً ان الانتفاضة السورية لم تعد حدثاً خلف الحدود اللبنانية. هي الآن في بلدة عرسال البقاعية وفي مناطق عكار الشمالية، وفي العاصمة بيروت. ما جرى في عرسال يمثل «بروفا» لأنواع من المواجهات الأهلية لم يسبق ان اختُبرت. فسكان البلدة أقدموا على حماية ضابط سوري منشق من دورية لمخابرات الجيش اللبناني، أي ان مواطنين لبنانيين منعوا جيشهم من اعتقال مواطنين سوريين، وفي منطقة حدودية بالغة الحساسية الاجتماعية والطائفية. وفي مناطق عكار يومياً وقائع مشابهة، أي: سكان يتولون تضليل الجيش اللبناني أثناء تعقبه مواطنين وناشطين سوريين هاربين. هذه الوقائع التي أريد لها ان تكون باردة، لن تبقى على هذا النحو اذا قرر «المستقبل» بعد مهرجانه نقلها الى مجال نشاطه المعلن، ويبدو أن ذلك هو الوجهة الآن. وقد مُهد لذلك من خلال المواجهات التي شهدها المجلس النيابي خلال مناقشة قضية توقيف أربعة أشقاء سوريين وتسليمهم الى السلطات السورية، إضافة الى قضية شبلي العيسمي الذي خُطِف من أمام منزل ابنته في بلدة عاليه في جبل لبنان. سنكون هنا أمام قرار أهلي بحماية المواطنين السوريين في مواجهة قرار رسمي بملاحقتهم. هذا ما يجري عملياً اليوم، لكن تحوله من وقائع اجتماعية الى وقائع سياسية يرشحه لأن يكون مادة مواجهة وشيكة. وهذا الاسبوع ألحّت على اللبنانيين مسألة أخرى تتصل بالأولى وتعمل وفق منطقها. انها قضية المحكمة الدولية التي يرفض «حزب الله» - صاحب اليد الطولى في الحكومة - تمويلها، والتي لوح رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بالاستقالة من منصبه اذا لم يتمكن من تمريرها. اذاً، السيناريو المفترض يتمثل في أننا سنكون امام حكومة مستقيلة تتولى تصريف الاعمال في ظل عجز عن تشكيل حكومة بديلة. ذاك ان الأكثرية النيابية التي فُرضت عند تشكيل هذه الحكومة لن تتأمن هذه المرة ل «حزب الله» وللنظام في سورية لتشكيل حكومة بديلة، كما أن من المرجح ألا تتأمن لخصوم سورية أيضاً. حكومة تصريف الاعمال ستكون الوصفة الناجحة لاشتعال مواجهات من الصعب توقع حدودها. فقرارات الحكومة ستتولى اصدارها وتنفيذها الأطراف التي تتقاسم الحقائب اليوم، وأضعف هؤلاء في هذه الحال هو رئيسها. التصويت في الجامعة العربية وفي مجلس الأمن سيتولاه وزير الخارجية عدنان منصور من دون العودة الى مجلس الوزراء، والقرارات الأمنية ستؤخذ أيضاً في غير هذا المجلس، ووزارة الاتصالات بما تعنيه من رقابة على التخابر والتواصل ستصبح جزيرة لميشال عون، وسينعدم تأثير الضغط الممارس على ميقاتي، والذي أعاق حتى الآن كثيراً من رغبات «حزب الله» في الاستئثار بالقرار الحكومي. اذاً، من المرجح ان يكون الفراغ الحكومي الوسيلة الأنجح التي يمكن ان تعتمدها سورية وحلفاؤها اللبنانيون في المرحلة المقبلة لمواجهة استحقاق الانتفاضة السورية والمحكمة الدولية، وسيحصل ذلك في ظل مواجهة عربية سورية لا مكان فيها للتسويات. «المستقبل» قرر الاستيقاظ في هذه اللحظة، وثمة مؤشرات غير محلية للتوقيت. كما ان اختيار مدينة طرابلس مؤشر إلى وجهة التحرك، مع ابقاء مقدار من التردد في حسم هذه الوجهة، ذاك ان على المرء ان يتأمل قليلاً في انعدام خبرة «المستقبل» في ميادين المواجهات. ثم ان الموقف أكثر تعقيداً هذه المرة. فالتصعيد في وجه ميقاتي سيعني ملاقاة «حزب الله» عند الرغبة في الفراغ الحكومي، كما ان من السذاجة استبعاد احتمال ان تكون مسألة التمويل مخترعة، والهدف منها تسليف رئيس الحكومة انتصاراً في معركة السعي الى وراثة «المستقبل». يقترب لبنان كل يوم من الاستحقاق السوري، وإذا كان في الانتفاضة السورية بريق أمل يتمثل في حقيقة ان مواطنين قرروا تغيير واقعهم، فإن الأمل ينعدم في الحالة اللبنانية. ذاك ان اللبنانيين لا حيلة لهم ولا رغبة في ان يقرروا شيئاً، سوى بقائهم على شفا انقسام قاتل.