يبدو كل شيء في مدينة الحليفة (210 كيلومترات جنوب مدينة حائل) حزيناً على طالباته ال12 اللاتي رحلن عن الدنيا، بعد حادثة مروعة على الطريق الذي يوصلهن إلى جامعة حائل أول من أمس. في سرادق العزاء كانت الأحاديث تتوارد عن الطالبات وأحلامهن التي وأدها طريق زراعي وبُعد منال العلم وعن أخريات عقدت ألسنتهن المصيبة، وقررن عدم متابعة الدراسة في تلك الجامعة البعيدة. من بين القصص المأسوية لراكبات «حافلة الموت» أن أم وافي (44 عاماً) والدة الطالبة انتصار الرشيدي حاولت ثنيها عن الذهاب إلى الجامعة يوم الحادثة، بعد أن رأت في منامها رؤيا أفزعتها، وحثتها على أن «تستخير ولا تذهب»، لكن البنت التي تدرس في السنة الثانية تخصص الفيزياء لم تستجب، لأنها قد تتأخر عن تحصيلها العلمي، ولا ترغب في استجداء زميلاتها الأخريات لتزويدها بالمحاضرات التي لم تحضرها. في حين كانت شقيقتها من الأب «تهاني» (20 عاماً) التي تدرس تخصص الرياضيات حريصة على عدم التأخر عن الحافلة، خوفاً من تأخره في الوصول إلى الجامعة، وطردها من المحاضرة. وقال والد الطالبتين سعد عوض الرشيدي الذي بدا متماسكاً وصابراً ل«الحياة»، إن ابنته انتصار لم تكن حريصة على الذهاب للجامعة منذ دخولها لها مثل ذلك اليوم، وتابع: «دهشت قبل توجهي للمسجد استعداداً لأداء صلاة الفجر بإصرارها العجيب، على رغم توسلات والدتها وشقيقتها الكبرى». وأضاف أن الحافلة كانت تتحرك من الحليفة باكراً، بسبب بعد الجامعة عن مقر سكنهن (460 كيلومتراً ذهاباً وإياباً)، ما يستدعي استيقاظهما عند الثالثة فجراً وخروجها عند الثالثة والنصف، مشيراً إلى أنهما كانتا تحدثان العائلة عن معاناة أكبر لزميلات لهما في الجامعة من قرية بدع بن خلف (320 كيلومتراً جنوب مدينة حائل) يخرجن من منازلهن عند الساعة الثانية فجراً ولا يعدن إلا بعد صلاة المغرب، مبدياً استغرابه من عدم افتتاح فرع للجامعة للبنين والبنات بالحليفة التي تخدم أكثر من 180 قرية على حد قوله. وغص منزل الطالبة أسماء أمس بمئات المعزين من أقاربها وجيرانها. ووقفت «الحياة» على اللحظات الأخيرة التي جمعت الطالبة بوالديها، إذ قال والدها راشد خيران الرشيدي (65 عاماً): «كانت بارة بي وبوالدتها وتحرص على تقبيلنا وتوديعنا يومياً منذ دخولها للجامعة، وتذهب إلى الجامعة 3 أيام في الأسبوع فقط». وأكمل شقيقها محمد (27 عاماً) الحديث، موضحاً أن الحال النفسية لأفراد أسرته سيئة جداً، لأن أسماء (20 عاماً) كانت محبوبة جداً من أفراد الأسرة كافة، وكان المنزل يفتقدها يومياً منذ الساعة الثالثة فجراً وحتى الساعة الخامسة عصراً، مشيراً إلى أنها كانت تحلم بعد أن تخصصت في الجامعة بدراسة الفيزياء بأن تصبح معلمة وتساعد والدها في تحمل تكاليف المعيشة التي أصبحت باهظة جداً. وأكد أن أسماء قضت ليلتها الأخيرة بالدعاء وقراءة القرآن، وتردد دائماً أنها تحلم بأن تفوز ببر والديها، لافتاً إلى أن الراحلة كانت تتحدث عن رفض عدد من زميلاتها إكمال دراستهن الجامعية خشية على أرواحهن من حوادث الطرق التي كانت تتكرر بشكل يومي من دون أن يحرك المسؤولون ساكناً.