تونس - أ ف ب، رويترز - مع وضوح المشهد السياسي الجديد وتأكد تقدم إسلاميي «حزب النهضة»، تواصلت أمس في تونس حتى قبل إعلان النتائج النهائية لانتخابات المجلس التأسيسي، المشاورات داخل القوى السياسية وفي ما بينها للاتفاق على قواعد المرحلة الانتقالية الثانية بعد الثورة وتوزيع أبرز مناصبها. وبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات وانقضاء أجل الطعون الذي حدد بعشرة أيام، سيدعو الرئيس التونسي الموقت فؤاد المبزع المجلس التأسيسي المنتخب إلى الاجتماع، ليتولى اختيار رئيسه ونائبيه والاتفاق على نظامه الداخلي ونظام موقت لإدارة الدولة، كما يعين رئيساً موقتاً جديداً محل المبزع الذي كان أعلن نهاية الأسبوع الماضي انسحابه من السياسة. وبعد ذلك، يكلف الرئيس الموقت الجديد من تتفق عليه الغالبية في المجلس بتشكيل حكومة جديدة للمرحلة الانتقالية الثانية منذ إطاحة نظام زين العابدين بن علي. وكان زعيم «حزب النهضة» راشد الغنوشي قال إن مختلف الإجراءات التي تلي الانتخابات وصولاً إلى تشكيل الحكومة الانتقالية «يجب أن تتم في أقصر وقت ممكن لا يزيد على شهر». ولم تكشف «النهضة» حتى الآن مرشحها المفضل لرئاسة المجلس التأسيسي أو البلاد وسمت في المقابل مرشحها لرئاسة الحكومة الانتقالية، وهو أمينها العام حمادي الجبالي (62 سنة)، وهو من سوسة في منطقة الساحل التونسي التي كانت أعطت تونس رئيسيها الوحيدين منذ استقلالها عام 1956 الحبيب بورقيبة (المنستير) وبن علي (سوسة). وأشارت مصادر إعلامية أمس إلى أن «النهضة» تريد تعيين سعاد عبدالرحيم التي تصدرت قائمتها في دائرة «تونس 2»، وهي سيدة أعمال غير محجبة تملك حضوراً قوياً، على رأس الدولة. وقد تحدث النهضة مفاجأة بتعيين امرأة في أعلى منصب سيادي في الدولة، ما يساهم في تبديد مخاوف يثيرها خصومها في شأن تهديد الإسلاميين للحريات، خصوصاً حرية المرأة. غير أن «النهضة» لم تؤكد ذلك. وكان الجبالي أشار إلى ثلاثة أسماء للمنصب هم المنصف المرزوقي زعيم «حزب المؤتمر من اجل الجمهورية» (يسار قومي) الذي يبدو أنه أصبح القوة السياسية الثانية في البلاد ومصطفى بن جعفر زعيم «حزب التكتل من اجل العمل والحريات» (يسار) المعارض الشرس لبن علي والباجي قائد السبسي الذي تولى رئاسة الحكومة الانتقالية الأولى منذ شباط (فبراير) الماضي. ويتردد أيضاً اسم احمد المستيري المعارض التاريخي لبورقيبة والذي كان عضواً في المجلس التأسيسي الأول عام 1956. وكان الغنوشي اكتفى بالقول رداً على سؤال عمن يراه لمنصب رئيس الجمهورية: «شخص ناضل ضد الدكتاتورية» من دون أن يحدد أي اسم. وتدعو «النهضة» إلى تشكيل «حكومة ائتلاف وطني» ويؤيدها في ذلك «المؤتمر من اجل الجمهورية»، فيما يدعو «حزب التكتل» إلى «حكومة مصلحة وطنية» مع استبعاد «الأحزاب التي تعاملت مع بن علي»، في حين يدعو «حزب التجديد» (الشيوعي سابقاً) إلى «حكومة كفاءات وطنية من خارج الأحزاب». وأكد كل من «النهضة» و «المؤتمر» و «التكتل» بداية المشاورات بينهم في ما سيصبح في حال اتفاقهم كتلة الغالبية في المجلس التأسيسي. غير أن الجميع يحرص على توسيع المشاورات لتشمل أحزاباً أخرى سواء ممثلة أو غير ممثلة داخل المجلس التأسيسي. في غضون ذلك، ما زالت «مفاجأة» حلول قوائم «العريضة الشعبية» بزعامة الهاشمي الحامدي التي كانت شبه غائبة ميدانياً خلال الحملة الانتخابية، في الموقع الثالث خلف «المؤتمر» و «النهضة»، تتفاعل. ورفض الجبالي الدخول في أي حوارات مع الحامدي في شأن المرحلة الانتقالية الثانية، ما أثار تنديد هذا الأخير الذي قال عبر قناته «المستقلة» التي تبث من لندن إنه لن يعود إلى تونس «ما دام يحكمها الجبالي»، خشية وقوع «فتنة» و «زحف جماهير سيدي بوزيد وفقراء الأرياف على العاصمة». وأثارت شخصية الحامدي وإمكاناته المادية الشكوك ويشتبه الكثير من السياسيين التونسيين في وقوف حزب «التجمع الدستوري الديموقراطي» (حزب بن علي الحاكم سابقاً) وراءه. ولم تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حتى الآن نتائج دائرة سيدي بوزيد ويتوقع أن تكون أعلنت مساء أمس ضمن النتائج النهائية. وقال مصدر قريب من الهيئة إنه قد يتم إلغاء أربع قوائم «للعريضة الشعبية» بسبب مشاكل تمويل. وقال شهود إن مئات الأشخاص خرجوا إلى شوارع مدينة سيدي بوزيد للاحتجاج على تصريحات مسؤولين من «النهضة» تنتقد فوز قائمة الحامدي، ورفعوا شعارات: «زنقة زنقة دار دار حتى نسترجع الاعتبار». وقال شهود إن عدد المحتجين فاق ألف محتج. وقال المهدي الحرشاني: «نحتج للمطالبة باحترام خيار الشعب. العريضة فازت بفضل الصندوق ونحن نطالب باحترام إرادة الشعب وإلا فالأمور ستتطور للأسوأ هنا. لن نسكت ولن نقبل الإهانة ونطالب بالاعتذار». وفي انتظار انجلاء غبار المعارك الانتخابية، بدأت النقاشات في شأن الدستور الجديد تتفاعل بين النخب وفي المنابر الإعلامية. وأكد الجبالي أن «النهضة» لا تسعى إلى فرض دستور يلغي الحريات مثل حرية المعتقد والحريات الفردية وقوانين المرأة ومكانتها في المجتمع. ويوالي الإسلاميون التصريحات المطمئنة في شأن التزامات الدولة التونسية وللمستثمرين خصوصاً في قطاع السياحة الحيوي الذي يمثل 7 في المئة من إجمال الناتج المحلي. وتؤيد «النهضة» النظام البرلماني.