ربما يبدو هذا السؤال للوهلة الأولى ساذجاً، فسلطان بن عبدالعزيز تسبق اسمه عناوين كبيرة لا تستطيع أن تواريها الأيدي أو تغمض عنها الأعين، فهي كالنجوم السائرة مهما اتجهت فستراها لامعة. أنا لن أتحدث عن «المغفور له بإذن الله» سلطان بن عبدالعزيز الذي كان وكان، تلك التي أصبحت من الماضي، وتؤول إلى غيره، لن أتحدث عن التاريخ المديد الذي أثراه الأمير رحمه الله بأفعاله المشهودة، لن أتحدث عن انخراطه السياسي بوصفه مؤسساً مع إخوته الكبار للصرح الأكبر الذي هو الوطن، لن أتحدث عن مشواره الطويل في تأمين البلاد والعباد، وكيف نأى بحكمته بالبلاد عن مخاطر كانت تتهددها شرقاً وجنوباً، لن أتحدث عن إمارته للرياض ولا عن الوزارات التي تقلدها وأبلى فيها بلاء حسناً، حتى آل به المطاف واستقر وزيراً للدفاع والطيران ثم ولياً للعهد، لن أتحدث عن أياديه البيض المشهودة، التي امتدت إلى الفقير المحتاج والمريض الموجوع، لن أتحدث عن عمتي التي تشبه كل العمات التي نقلت بأمر منه رحمه الله للعلاج على نفقته الخاصة، وتعافت منه بأمر من الله، لن أتحدث عن الشيخ الطاعن في السن يصيح بملء فيه بلهجته المحلية الموغلة في القدم قائلاً: «يا ويل للي ما له سلطان»، لن أتحدث عن ابتسامته المنقوشة بعناية إلهية على محياه الذي يبعث التفاؤل والرضا، لن أتحدث عنه عندما يقف ملقياً كلمته في حفلة تخريج لدفعة عسكرية، قائلاً بعد الحمد والصلاة على النبي: «إخواني وزملائي». لن أتحدث عن كرمه الذي ملأ أسماع الدنيا. لن أتحدث عن طيب معشره ولين عريكته. لن أتحدث عن كل الحكايات اللذيذة والطريفة المنقولة عن جلسائه الخلّص، تلك التي تنم عن بديهته الحاضرة وذكائه المتقد، لن أتحدث عن بساطته التي جعلته قريباً جداً من قلوب الملايين من البشر، لن أتحدث عن الدعم السخي الذي يقدمه لمشاريع الوطن، لن أتحدث عن إغاثته للملهوف وإقالته للعاثر، لن أتحدث عن القلوب العاشقة له، لن أتحدث عن الألسن التي تلهج له بالدعاء ليل نهار، لن أتحدث عن ابتساماته الأخيرة وهو يعارك المرض تلك التي نفحها جمهور مهرجان الجنادرية السنة الفائتة ووجهه شاحب بإنهاك المرض. لن أتحدث عن الحب الكبير الذي يكنه له الصغير قبل الكبير، لن أتحدث عن كل المشاريع الخيرية التي دعمها ووقف عليها، لن أتحدث عن الهم والذعر الذي أصابنا أثناء رحلته العلاجية، والحكايات التي تفتتح بها مجالسنا عن غياب الأمير، لن أتحدث عن الأمل الذي كان يحدونا لعودته سالماً، لن أتحدث عن الأيدي الممدودة نحو السماء ليعود إلينا صحيحاً معافى، لن أتحدث عن حجم فاجعة الأمس التي حلت بنا عقب الإعلان عن انتقاله إلى الرفيق الأعلى، لن أتحدث عن العين التي أجهشت بالبكاء ساعة تلقيها الخبر، لن أتحدث عن فقيدنا الذي لا يعوض وقلما يجود الزمان بمثله، لن أتحدث عن قدر رزئنا بسلطان الخير. سأترك لكم الحديث، وإلى جنات الخلد يا سلطان الخير. * كاتب وروائي سعودي. [email protected]