تشير آخر الدراسات والتقارير الإحصائية الصادرة عن عدة مؤسسات عربية ودولية منها مؤسسة الفكر العربي ومنظمة اليونيسكو وغيرها من المؤسسات المعنية برصد مستويات التنمية الثقافية في العالم، إلى تدني مستوى قراءة الكتب الثقافية في العالم العربي بشكل عام وفي المملكة على وجه الخصوص مقارنة بالأمم الأخرى، حيث بلغ متوسط قراءة الفرد العربي 6 دقائق سنويا وهو في تناقص بينما متوسط قراءة الفرد في أوروبا على سبيل المثال يبلغ نحو 200 ساعة سنويا، وفي إحصاءات منظمة اليونيسكو ان متوسط القراءة الحرة للطفل العربي خارج معدل ما يقرأه من الكتب الدراسية لا يتجاوز دقائق معدودة في السنة مقابل 12 الف دقيقة للطفل في العالم الغربي، وفي دراسة دولية أخيرة حول معدلات القراءة في العالم، أوضحت أن معدل قراءة المواطن العربي سنويا ربع صفحة، بينما معدل قراءة الأميركي 11 كتابا، ومعدل كل من البريطاني والألماني يتجاوز 7 كتب سنوياً، وفي دراسات وإحصاءات أخرى وجد أن أقل من 5% من المواطنين العرب يقرؤون بانتظام، فمن بين 365 مليون مواطن عربي «30% أطفال، 30% أميون، 20% لا يقرؤون قط، 15% يقرؤون لكن بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتب وأن كل ثلاثمئة ألف مواطن عربي يقرأون كتابا واحدا ونصيب كل مليون عربي هو 30 كتابا، ومعدل ما يخصصه المواطن العربي للقراءة الحرة سنويا هو عشر دقائق فقط، ومعدل القراءة السنوية للشخص الواحد في العالم 4 كتب وفي العالم العربي ربع صفحة. هذه الأرقام المتدنية والمخيفة تعكس صورة واقعية لوضع الأمة العربية بين الحضارات الأخرى، وتنذر بعواقب وخيمة على العالم العربي في المستقبل القريب، وحتى وان كانت هذه النسب والأرقام متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتختلف بحسب عوامل السن والمستوى الثقافي والاقتصادي، والوسط المعيشي والجغرافي والبيئي، إلا أن هناك مؤشرات قوية ومخاوف مشتركة على صعيد الأمة العربية حول تراجع مستوى القراءة الجادة للكتب الثقافية ذات المضمون القوي والمؤثر على النمو الثقافي والحضاري، وخطر انعكاس هذه المؤشرات على التقدم المعرفي والتراجع الحضاري على جميع الأصعدة. تفاوت الأرقام والإحصاءات هناك تفاوت بين نتائج عدة دراسات حول معدل القراءة في العالم العربي، حيث أوضحت دراسة سابقة أجرتها شركة «سينوفات» العالمية لأبحاث السوق، أن المصريين والمغاربة يقضون 40 دقيقة يومياً في قراءة الصحف والمجلات مقابل 35 دقيقة في تونس و34 دقيقة في المملكة و31 دقيقة في لبنان، وبالنسبة إلى قراءة الكتب، يقرأ اللبنانيون 588 دقيقة في الشهر، وفي مصر 540 دقيقة، وفي المغرب 506 دقائق، وفي المملكة 378 دقيقة، هذه الأرقام تعكس واقعاً إيجابياً أكثر من الأرقام السابقة التي طرحت في مقدمة هذا التحقيق، وأفاد مؤشر نقاط الثقافة في العالم للعام 2014 بأن المملكة تقع في المرتبة العاشرة على مستوى العالم بمعدل قراءة يصل إلى 6 ساعات و 48 دقيقة للفرد في الأسبوع الواحد، ولكن يجب أن نوضح بأن هذا الاختلاف بسبب أن هذه الأرقام تشمل تصنيفات قراءة إضافية ومنها قراءة القرآن الكريم وقراءة الصحف والمجلات، والكتب الدراسية، وملفات العمل والتقارير، وكتب التسلية، بينما الاحصائيات السابقة تقتصر فقط على قراءة الكتب الثقافية، وهنا يكمن فرق جوهري وكبير جداً وهو تحديد نوع المواد المقروءة ومعرفة ما إذا كانت القراءة جادة ومثمرة، أم انها مقتصرة على قراءات ضعيفة من حيث المضمون . الطفل العربي الأقل قراءة ويشير تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو الى أن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي هو الأقل عالمياً، حيث يقرأ الطفل خارج ما يتلقنه في مناهجه الدراسية 6% في السنة، فيما يقرأ كل 20 طفلاً عربياً كتاباً واحداً، بينما في بريطانيا يقرأ الطفل سبعة كتب، وفي أمريكا 11 كتاباً، كما تشير إحصاءات أخرى إلى أن رصيد الدول العربية لا يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي لكتب الأطفال، بالرغم من أن تعداد الأطفال في العالم العربي تجاوز ال55 مليون طفل وهو مؤشر سلبي وبعيد جداً عن مستوى التنمية الفكرية والثقافية للطفل في العالم الغربي وهذا الواقع يفرض على المسؤولين تبني مشاريع جديدة تهدف إلى مضاعفة الاهتمام بقيمة القراءة وأهمية ما تعكسه على تطور الأجيال وبناء النفس والعقل، وتهذيب وتقويم السلوك لتحقيق النمو المعرفي والثقافي والتطور الحضاري الذي ننشده. إحصاءات القراءة في المملكة حصدت المملكة المركز العاشر في مؤشر القراءة والثقافة العامة عالمياَ بعد أن بلغ معدل قراءة الفرد السعودي 6:48 ساعة أسبوعياً، وهو يماثل عدد الساعات لمعدل القراءة في روسيا وهونج كونج وفرنسا والسويد، بالرغم أن هذه الدول تتفوق علينا بكثير في عدد المكتبات العامة وسعتها من حيث العناوين، فبحسب بيانات الإدارة العامة للمكتبات في وزارة الثقافة والإعلام، توجد في المملكة 81 مكتبة، وتبلغ سعة كل مكتبة ما بين ثلاثة الاف إلى خمسة وخمسين ألف عنوان، وهو عدد قليل مقارنة بأعداد وحجم المكتبات العامة في الدول الغربية، فبحسب بيانات مركز المكتبة الرقمية على الانترنيت، وهي منظمة عالمية لخدمات أبحاث ومعلومات المكتبات، توجد لدى الصين أكثر من 50 ألف مكتبة عامة، وروسيا بها 46 ألف مكتبة، والولايات المتحدة لديها تسعة آلاف و 107 مكتبات عامة، وفي إيطاليا 7 آلاف مكتبة، وفي المانيا توجد 6 آلاف و 313 وانجلترا بها 4 آلاف و 39 مكتبة ولذلك فإن عدد المكتبات العامة والعنوانين في المملكة محدود ومتواضع مقارنة بدول الغرب المتقدم، ويعطي مؤشراً حول مدى الفارق في حجم الاطلاع، ولكن هناك مؤشرات أخرى ايجابية ومرتفعة حول اقبال المواطنين على القراءة، حيث يوجد إقبال كبير ومتزايد على معرض الكتاب الدولي بالرياض ، ما يعطي مؤشراً على أن هناك شغفا بالقراءة، فهنالك أكثر من مليون زائر يزورون هذا المعرض سنوياً جميعهم مهتمون بشراء كم كبير من الكتب، وقد بلغت مبيعات العام الماضي نحو 71 مليونا و650 ألف ريال، فيما بلغ عدد الزوار قرابة 2،4 مليون زائر، وفقاً لإحصائيات إدارة المعرض. كما أوضحت نتائج دراسة اتجاهات القراءة الحرة في المملكة العربية السعودية التي أجرتها وحدة الدراسات والبحوث في المجلة العربية في 2012، أن ما يزيد على 33% من أفراد المجتمع السعودي يتخذون من القراءة الحرة نشاطا يوميا، وأكثر من 17 في المائة يمارسونها كل يومين، وبينت أن القراءة الحرة هي بمثابة عادة لأكثر من نصف أفراد المجتمع السعودي، ونسب من يمارسون القراءة الحرة بشكل يومي من الذكور تفوق كثيرا نسب من يمارسنها من الإناث وهي نتيجة تتسق مجتمعيا مع ارتفاع نسبة الأمية لدى الإناث، مقارنة بالذكور، إضافة إلى ذلك يتميز الذكور بالمنافسة والمباهاة في شراء الكتب بنسبة أكثر من الإناث، ولعل هذا يرتبط بظروف المجتمع السعودي، حيث تتاح للأبناء من الذكور فرصة الخروج والالتقاء بالزملاء أكثر من الإناث، وأبانت الدراسة أن 68% من السعوديين يقضون أكثر من عشر دقائق في قراءة المطبوعات الورقية من صحف، ومجلات، وكتب، وقصص وروايات، بينما يقضي 75 في المائة منهم أكثر من عشر دقائق في قراءة النصوص الإلكترونية، وبينت أن القارئ السعودي يقضي بوجه عام في القراءة على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وقتا أطول مما يقضيه في قراءة المطبوعات الورقية، كما أن الوقت الذي يخصصه القارئ السعودي للمطبوعات الورقية في تناقص ملحوظ لصالح الوقت المخصص لقراءة النصوص الإلكترونية، وأظهرت الدراسة أن الأخبار تحتل صدارة الترتيب في تفضيلات السعوديين القرائية يليها الترفيه والفكاهة والأزياء والزينة، وتحتل الألغاز والأحاجي المرتبة الرابعة تليها القصص والروايات والشعر الشعبي في المرتبة السادسة، بينما تكاد موضوعات الموسوعات والعلوم الطبيعية والرياضة لا تحظى بأي تفضيل بين أفراد المجتمع السعودي. حقائق مزعجة خبير منظمة اليونيسكو الشاعر شوقي عبد الأمير يرى أن تراجع معدلات القراءة في عالمنا العربي ينذر بخطر حضاري محدق ،مشيرا إلى أن الوطن العربي مقبل على «تصحّر ثقافي حقيقي» مالم توضع الحلول الناجعة لهذه الأزمة، مسلطا الضوء على القنوات التلفزيونية في العالم العربي مشيرا إلى أن مجمل ما تقدمه هذه القنوات من مواد ثقافية لا يتجاوز 4 % ، ولم تستطع الدول العربية اصدار قناة ثقافية موحدة، على الرغم من توفر كل الإمكانيات ،مطالبا بضرورة انتاج قناة ثقافيّة عربيّة موحّدة، مؤكداً أن المال موجود ،والرغبة موجودة ، والمادة الثقافية موجودة ولا ينقصنا سوى السعي الجاد لتحقيق هذه الخطوة، والسعي الجاد بألا يعم الجهل منطقتنا. وفي ذات السياق يشير محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين المصريين الى أن الناشر العربي اضطر إلى تقليص عدد النسخ المطبوعة من كتب الثقافة العامة للكبار لتتراوح بين ألف إلى ألفي نسخة من الكتاب الواحد ، وفي كتب الأطفال يتراوح عدد النسخ بين 3 آلاف و5 آلاف نظراً لضيق حجم الاستهلاك الذي يفترض أن تمثل المكتبات جزءاً أساسياً منه، مضيفا أن المعايير الدولية تقول إن المكتبة العامة لكي تقوم بدور ثقافي يفترض أن يكون لكل ستة آلاف نسمة من المقيمين مكتبة عامة، ولكن عدد المكتبات العامة في الدول العربية مجتمعة لا يزيد على 4500 مكتبة من كافة الأحجام وربما كان عدد المكتبات العامة ذات الوزن والأهمية في الوطن العربي يدور حول 1000 مكتبة فقط. البديل الإلكتروني يبرر البعض دون اثباتات واضحة ودراسات رصدية كافية أن سبب تدني مستويات القراءة في العالم العربي هو أن اهتمامات القارئ العربي تحولت في القراءة الحرة نحو التقنية والفضاء الالكتروني التي جذبت القارئ العربي وحولت مساره من قراءة الكتب الورقية إلى الالكترونية، حيث اشار تقرير نشرته شركة «برايسوترهاوس كوبر» إلى أن مبيعات الكتب الإلكترونية سوف تتفوق على نظيراتها من الكتب المطبوعة بحلول عام 2018، ولكن هذه الدراسة لم تستشرف واقع مبيعات الكتب الالكترونية العربية، حيث اشارت دراسة احصائية صدرت مؤخراً أن نسبة قراء الكتاب الإلكتروني في الإمارات بغلت 11 %، وتليها السعودية ب 9.1 %، ثم قطر 7.6 % والبحرين 6% ولبنان 6% والمغرب 5.6% وسلطنة عُمان 5.5% ومصر 5% والجزائر 4.5% والأردن 4.1% والسودان 3%. هتون الفاسي: هناك أزمة قراءة والعواقب وخيمة ترى الكاتبة والأكاديمية الدكتورة هتون الفاسي أن الملاحظ بشكل عام هو قلة إقبال المجتمع على القراءة، وأن القراءة الحرة ساء وضعها خلال السنوات القليلة الماضية بسبب انجذاب الجمهور نحو وسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء الإلكتروني. وقالت: إن البعض كان يتوقع أن هناك اطلاعا واسعا على الصحف والمجلات على الشبكة العنكبوتية، ولكن يبدو أن حتى هذه القراءات باتت محدودة وأن الكثيرين استبدلوها بقراءة ال140 حرفا التي تبث من خلال التغريد على موقع التواصل الاجتماعي الأخبار والشائعات والعديد من المعلومات غير الدقيقة وليست كافية لإثراء الثقافة العامة، ولا نستطيع أن نعمم هذا الرأي من دون دراسات كافية، ولكنها اصبحت ظاهرة منتشرة، واصبحنا نعاني وخصوصا في الجامعات من «أزمة قراءة» وانعكاس هذه الأزمة على الثقافة والمعرفة، مشيرة الى أن طلبة الجامعات والدراسات العليا يمثلون الفئة الأكبر في الاعتماد على الاطلاع والقراءة من خلال شبكة الإنترنت في المرحلة الآنية، وهو أمر ذو أبعاد خطيرة، لأن استغناء هذه الفئة عن قراءة الكتب والقراءات المكثفة مقابل قراءة معلومات مختصرة في «تويتر» أو الحصول على معلومات مختصرة وضئيلة مما يتم تداوله عبر الإنترنت ومن مصادر غير موثوقة انعكاساته سلبية جدا على المعرفة، وعندها تكون المعرفة سطحية ولن تتمخض بإنتاج معرفي عميق ومفيد، مضيفة، أنه بالرغم من الإقبال الكبير على معارض الكتاب إلا أن انعكاس هذا الأمر على الاكتساب المعرفي والإثراء الثقافي يتطلب معرفة نوع الكتب واهتمامات القراء، لأن كثيرا من اهتمامات الجمهور في هذه المعارض تنصب نحو كتب سطحية وغير مفيدة، ومع ذلك يتطلب هذا الأمر دراسة جادة لتحديد نوع الكتب وجودتها والعديد من التفاصيل الأخرى، مرجعة اسباب تدني القراءة لضعف اللغة العربية والارتباط بها لدى الأجيال الناشئة في مراحلهم الأولى، ومحدودية التشجيع على القراءة.