في مثل هذا الوقت من العام الماضي خلص تقرير ل"الوسط" لمناسبة ذكرى حرب تحرير الكويت الى ان مشكلة العراق اذا كانت تتعلق بالحاضر الذي محوره فك الحظر والعودة للاندماج في العالم العربي والمجتمع الدولي، فإن مشكلة الكويت تظل معلّقة بالمستقبل، والشعور بالامن والامان بقرب جار طاقاته اكبر منها بكثير. ومن المهم ان تتيقن تماماً انه لن يعود الى ابتلاعها من جديد... او على الاقل عدم تهديدها وهزّ استقرارها والمس بسيادتها. وبعد مرور عشر سنوات على "حرب تحرير الكويت" تظل المعادلة على حالها، من دون تعديل او تغيير. اذ لا احد في العالم لا يقدّر معاناة الشعب العراقي بما في ذلك الكويت، حيث يقف وزير الدولة الكويتي للشؤون الخارجية سليمان ماجد الشاهين بوجه اعتراضات برلمانية على قبول الحكومة الكويتية لتغيير عنوان الوضع الكويتي - العراقي في بيانات تجمعات اقليمية ودولية من تعبير "العدوان العراقي ضد الكويت" الى مصطلح "الحالة" ما بين الكويتوالعراق، مذكّراً بأن المعادلة تغيّرت وكذلك الظروف والتحولات، ومشدداً على ان "اليوم هو غيره قبل عشر سنوات... فنحن لسنا في الثاني من آب اغسطس 1990". وشيئاً فشيئاً، وبفعل عامل الوقت صار من الملموس ان الكويت بالنسبة الى المراقب تتعامل مع المسألة العراقية بفهم اقرب الى الاطار الاكاديمي، فهذا عبدالله يعقوب بشارة الامين العام الاسبق لمجلس التعاون الخليجي يقول في حوار صحافي يستذكر فيه ملابسات لقاء جدة الذي سبق الاحتلال بيوم واحد، والذي رأسه عن الجانب الكويتي ولي العهد رئيس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح، وعن الجانب العراقي عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق "بأن كل دول الخليج ستهبّ لإعمار العراق لو انه تخلص من منطق الحرب والعدوان". بل ان رئيس مجلس الامة جاسم الخرافي في زيارته الاخيرة الى القاهرة تحدث مع وسائل الاعلام المصرية عن ان ما تريده الكويت للمصالحة هو اطلاق سراح اسراها والاعتذار عن جريمة الغزو البشعة التي تعرضت لها... من دون ان ينسى التأكيد لمضيفيه في القاهرة ان الكويت هي الأقرب الى الشعب العراقي من اي طرف آخر، فيما يشدد بشارة على ان الكويت ضد تقسيم العراق ولا مصلحة لها في ذلك، وانه لا يعترف ولا يؤمن بأن الشعب العراقي حاقد على الكويت. فالكويت في المحصلة العامة وبعد كل هذه السنوات تبدو غارقة في قضاياها الداخلية، فالشيخ ناصر صباح الاحمد يتحدث عن تغيير وشيك في التركيبة الحكومية، والبرلمان والحكومة منهمكان في سجال او تداول لمعضلة الاسكان والتوظيف والاصلاح الاقتصادي. اما الخرافي فذهب الى القاهرة في ظل مناخ نشط يتحرك باتجاه العراق، وسبقه الى هناك او تزامن معه في الوصول اليها طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي الذي وقّع اتفاقاً للتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، من دون ان يجد وزير الخارجية المصري غضاضة في القول صراحة ان الحظر على العراق صار "ممجوجاً الآن"... ليأتي الرد صاعقاً من بغداد عبر الرسالة التي بعث بها "النائب" عدي صدام حسين الى المجلس الوطني العراقي واقترح فيها اضافة مدينة الكويت الى خريطة "العراق الكبير" ضمن شعار المجلس! فاذا بالأمور تعود الى نقطة الصفر من جديد. فأي توجه لمصالحة وأي منطق بالعفو عما سلف، من دون تعديل او تغيير؟ ففي الكويت لا يزال التحسس واضحاً وجلياً طالما ان خطاب "ام المعارك" السياسي والاعلامي لا يتغير، والرئيس العراقي بالنسبة الى الكويتيين لم يحدث اي تبديل او تعديل على تعبيراته وتقريراته وقراءته لمسار الأزمة، كما ان نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز يبلغ قناة "الجزيرة" الفضائية بأنه كان يتعيّن على العراق ان يضرب الكويت اكثر. والكويتيون بطبيعة الحال لا يريدون ولن يتحمسوا قطعاً لاعادة تأهيل العراق من دون اي ثمن، وحتى ان لم يحولوا دون ذلك، فالحظر الاقتصادي - فرضاً او رفعاً - ليس قراراً كويتياً، لكن الكويت تريد التيقن من ان التجربة المريرة لن تتكرر. ولكن كل مرة تشتد فيها الضغوط والتحركات العربية والدولية لرفع الحظر يأتي الجواب من بغداد، وتماماً كما حدث ابان عمليات "ثعلب الصحراء" بعد انسحاب مفتشي اللجنة الخاصة من العراق، حيث تراكم رأي عام عربي واسع يدعو الى حل عادل للمسألة العراقية عبر رفع الحظر... وكان المطلوب فقط هو تجاوب عراقي عند منتصف الطريق مع عدد من الحكومات العربية، يستذكر المراقبون في الكويت آنذاك ان كل شيء ذهب مع الرياح عندما خرج الرئيس صدام حسين بخطابه الشهير الذي دعا فيه الشعوب العربية الى الانقلاب على حكوماتها. وهكذا فإن ما لم يكن طه ياسين رمضان يحتاجه في القاهرة ومن دون أي شك، جاءه هذه المرة من نجل الرئيس العراقي الذي جدّد، في ذكرى الحرب، حكاية "عودة الفرع الى الاصل" وطموحات قيام "العراق الكبير". صحيح ان الرد الاعلامي والسياسي الكويتي على تصريحات عدي صدام حسين كان عنيفاً وشديد اللهجة، لكن السؤال الذي يطرح جدياً وراء الكواليس في الكويت وبدهشة: هل هناك في بغداد من له مصلحة في استمرار الحظر على العراق؟ أما رئيس البرلمان الكويتي فقد عاد من رحلته المقررة سلفاً الى القاهرة بأفضل المكاسب الاعلامية، بعدما ذهبت الهواجس قبل رسالة النائب عدي، إلى حدّ ان المصريين قد يحاولون على الاقل جسّ نبضه ولو لحديث عابر مع طه ياسين رمضان. وهكذا قد يمرّ عام آخر، ويتكرر الموقف من جديد!