بعد النجاح الساحق لحبوب "فياغرا" والفوائد الجمّة التي حققتها لمستخدميها ممن يعانون العنّة أو العجز الجنسي، باشرت الأسواق الأميركية في بيع حبوب جديدة تحل مشكلة محرجة ومستعصية أخرى يعاني منها ملايين الرجال والنساء، وهي تساقط الشعر والصلع. وجاء ذلك نتيجة ثلاث دراسات شاملة أجرتها إحدى الشركات المصنعة للأدوية على آلاف الرجال الذين عانوا من حالات الصلع الخفيف والمتوسط. حيث بيّنت النتائج نجاح حبوب دواء "بروبيسيا" في منع تساقط الشعر وإعادة نموه من جديد لدى 86 في المئة من المتطوعين. ودواء "بروبيسيا" الذي تم اكتشافه عن طريق الصدفة، شأن دواء "فياغرا"، هو نوع مخفف من دواء "بروسكار" الذي يستخدمه 1.3 مليون شخص في 110 بلدان لعلاج تضخم البروستات. إذ يحتوي على خُمس كمية مادة "فيناستيرايد" الكيماوية الموجودة في حبوب "بروسكار" أو بالتحديد ميليغرام واحد. ويتطلب العلاج استخدام حبة واحدة يومياً مدى الحياة، ويمكن للشباب والكبار استخدامه لمنع تساقط الشعر وكذلك النساء اللواتي تجاوزن سن اليأس الذي تنخفض خلاله نسبة هورمون الاستروجين الأنثوي وترتفع نسبة هورمون التستوستيرون الذكري الذي يتحول بدوره الى هورمون ديهايدروتستوستيرون DHT فيؤدي الى تساقط الشعر. ويظهر الصلع الوراثي نتيجة تحول كميات من هورمون الذكورة "التستوستيرون" الى هورمون بديل هو "ديهايدروتستوستيرون" DHT المسؤول عن تساقط الشعر، مما يزيد من نسبة هذا الهورمون في الدم ويؤدي الى شيخوخة بصيلات الشعر قبل أوانها فيزداد سقوطها ويحدث الصلع. وتتركز أهمية دواء "بروبيسيا" في أنه يمنع الانزيم المسؤول عن تحويل هورمون "التستوستيرون" الى "ديهايدروتستوستيرون" من القيام بعملية التحويل هذه، مما يؤدي الى هبوط مستوى هورمون DHT في الدم بنسبة 70 في المئة خلال ساعات من تناوله، فيساعد بدوره على تنشيط بصيلات الشعر فتزداد قوته ويتأخر سقوطه ويُحفّز نموه. وقد بيّنت الدراسات أن أقل من 4 في المئة من بين ثلاثة آلاف رجل ممن تناولوا حبوب "بروبيسيا" عانوا من أعراض العجز الجنسي سواء بانخفاض القدرة على الانتصاب أو انخفاض كمية المني أو تراجع الرغبة الجنسية نتيجة هبوط مستوى هورمون الاندروجين، بينما عانى أكثر من 2 في المئة من الأشخاص الذين تناولوا حبوباً تحمل اسم "بروبيسيا" ولا تحتوي على مادة "فيناستيرايد" الكيماوية من الأعراض ذاتها، مما يدل على أن النسبة الحقيقية للمتطوعين الذين عانوا من الأعراض الجانبية للدواء لا تتجاوز 2 في المئة. وعلى رغم حماس العلماء وردود الفعل الايجابية تجاه استخدام الرجال حبوب "بروبيسيا"، يحذّر الأطباء بشدة من خطورة اقدام النساء الحوامل أو من هن في سن الحمل، على تعاطي هذه الحبوب نظراً الى الاحتمال الكبير في أن تتسبب بتشوهات خلقية لمواليدهن. وكانت الشركة المصنعة للدواء قد تقدمت بطلب الترخيص لاستخدامه منذ أواخر 1996 في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وغالباً ما يستغرق الترخيص للأدوية المراد استخدامها لأغراض تجميلية غير مرضية وقتاً طويلاً. تجدر الاشارة الى أن حبوب "بروبيسيا" ليست الدواء المعجزة القادر على تغطية الصلع بكمية وافرة من الشعر الكثيف. كما أنها قد تنجح مع نسبة كبيرة من الناس ولا تنجح مع البعض الآخر. إلا أنها بلا شك قادرة على تقليص مساحة مواقع الصلع فوق رأس الانسان بنسبة كبيرة، إذ أنها تزيد الشعر بمعدل 90 شعرة في كل بوصة مربعة من جلدة الرأس. ويعمل الباحثون حالياً على تصنيع شامبو يحتوي مادة "فيناستيرايد" لاستخدامه مع حبوب "بروبيسيا" أو بمعزل عنها. ويعتقد العلماء بأن كون دواء "بروبيسيا" ودواء "روغين" الذي يستخدم منذ سنوات في علاج الصلع، يعملان بطريقتين مختلفتين ولا يحتويان على المواد الكيماوية ذاتها فإنه من الممكن استخدامهما سوياً. إلا أن ذلك يحتاج الى دراسة للتأكد من عدم تضارب المحتويات الكيماوية مع بعضها البعض بشكل يؤذي مستخدميها. من جهة أخرى، تمكن باحثون أميركيون من جامعة كولومبيا في نيويورك من عزل احدى الجينات المسؤولة عن نوع نادر من صلع الانسان هو "الصلع الوراثي الكلي" Alopesia Universalis الذي يعاني المصابون به من فقدان شعر الجسم والحاجبين ورموش العينين بصورة تامة. وقد صرحت رئيسة فريق الباحثين وأستاذة الأمراض الجلدية في جامعة كولومبيا البروفسورة أنجيلا كريستيانو انهم تمكنوا للمرة الأولى من مسح جين بشري مسؤول عن هذا الصلع الوراثي، بواسطة تقنيات متطورة جداً استخدمت في مسح كروموسومات عائلة من قرية باكستانية تعاني من الصلع الكلي منذ أجيال، وذلك بعد مقارنته بجين مماثل مسؤول عن الصلع الوراثي عند الفئران. وأشارت الى أن هذا الاكتشاف سيتيح امكانات غير محدودة لعلاج حالات فقدان الشعر والصلع خلال سنوات معدودة. فقد أصبح بمقدور العلماء تصميم الوسائل الوراثية الكفيلة بإعادة نمو الشعر أو ازالته أو صبغه بعيداً عن الأعراض الجانبية ومن دون الحاجة لاستخدام أي مستحضرات كيماوية. ونظراً الى أن 80 في المئة من الرجال ونسبة لا يستهان بها من النساء يعانون من تساقط الشعر الوراثي، فإن سوق المنتوجات التي لها علاقة بعلاج الصلع وتساقط الشعر هي واحدة من الأكبر في العالم، إذ تقدر قيمة المبالغ المتداولة فيها بمليارات الدولارات. ونوّه الدكتور جون ماكغرات استشاري الأمراض الجلدية في مستشفى سانت توماس في لندن بالاكتشاف الجديد مشيراً الى احتمال أن يكون الجين المكتشف هو الصلة المفقودة للتحكم بنمو الشعر. وأنه ربما كان بمثابة المفتاح الرئيسي لتحفيز نمو الشعر أو ايقاف نموه حسب الحاجة والطلب. فمن يرغب في التخلص من صلعه سيلجأ الى العلاج الوراثي بالجينات من دون الحاجة الى مساحيق ومستحضرات كيماوية. كذلك الأمر بالنسبة الى من يرغب في التخلص من شعره. وسواء لجأ الانسان الى حبوب "بروبيسيا" أو الى المعالجة الوراثية للتخلص من صلعه، فإن العلم لن يكف عن ابهارنا بمزيد من الاكتشافات مع مرور الزمن